Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

مَن المسؤول عن تراكُم الدين العام؟

بلغ الدين العام اللبناني مستويات خطيرة يصعب معها على الدولة السيطرة على الإنتظام المالي. هذا الواقع يُنذر بمرحلة قادمة ستكون زيادة الضرائب عنوانها الأساسي كما تنص عليها النظرية الإقتصادية «دين اليوم هو ضرائب الغد». وبالتالي يُطرح السؤال الأساسي: كيف وصل الدين العام إلى هذا المُستوى وما هي الحلول للخروج من هذه الأزمة؟

لا يُخفى على أحد أن مستوى الدين العام الذي وصل إليه لبنان (77 مليار دولار أميركي في تمّوز 2017 أي 15

ومع تراجع المالية العامة ومعها قدرة الدولة على الإستثمار في الماكينة الإقتصادية لتحفيز النمو الإقتصادي بحسب ما تنص عليه نظرية كينيز، أصبحت الدوّلة اللبنانية مُلزمة بالإستدانة لتغطية إنفاقها الذي لا ينفك يزيد يومًا بعد يوم خصوصًا مع سياسة التوظيف العشوائية في القطاع العام والهدر غير المقبول في مؤسسة كهرباء لبنان. على هذا الصعيد تُشير أرقام وزارة المال إلى أن مجموع تحويلات وزارة المال إلى مؤسسة كهرباء لبنان منذ العام 2008 وحتى اليوم بلغت 16 مليار دولار أميركي في حين أن خدمة الكهرباء التي تؤمّنها مؤسسة كهرباء لبنان للمواطن لا تعكس حجم التحويلات.

ضرورة الإصلاحات

من هذا المُنطلق نرى أن هناك ضرورة لوقف تزايد العجز في الموازنة الذي بلغ نهاية 2016 خمسة مليارات دولار أميركي. وهذا الأمر لا يُمكن القيام به إلا من خلال لجم الإنفاق غير العقلاني المُتبع. ولجم الإنفاق يفرض إصلاحات جذرية غير موجودة في مشروع موازنة العام 2017، كتحرير قطاع الكهرباء، وقطاع الإتصالات، وسياسة ضريبية تحفيزية، والشراكة بين القطاع العام والخاص، وتقييم موظفي القطاع العام وغيرها من الإصلاحات الأساسية. ولا يُمكن نسيان قانون محاربة الفساد الذي، وفي ظل الأرقام التقديرية التي قمنا بها، يُكلّف الإقتصاد اللبناني 10 مليارات دولار أميركي سنويًا منها 5 مليارات خسائر مباشرة على خزينة الدولة (تهرّب ضريبي، هدر، فساد…) و5 مليارات خسائر غير مباشرة من خلال غياب الفرص الإقتصادية. يبقى السؤال عن نيّة وقدرة السلطة السياسية على القيام بهذه الإصلاحات في ظل إنقسام سياسي عامودي وأفقي يجعل من كل ملفّ على طاولة مجلس الوزراء ملفا خلافيا، وفي ظل إقتراب الإنتخابات النيابية التي يعتبرها السياسيون أجمع مفصلية في تاريخ الأحزاب اللبنانية. الضرائب آتية لا محالةكما سبق الذكر أعلاه، نرى أن الوسيلتين الوحيدتين أمام السلطة لتغطية النفقات هي عبر الإستدانة أو عبر الضرائب. وبما أن الإستدانة بلغت مستويات تاريخية مع 77 مليار دولار أميركي وبالتالي، سيكون هناك قيود وكلفة أكبر على الإستدانة، نرى أن السلطة ستتوجّه أكثر فأكثر في الأعوام القادمة نحو فرض الضرائب لتغطية نفقاتها وهذا ما سيُدخلها في حلقة مُفرغة تؤدّي إلى إضطرابات إجتماعية في ظل غياب النمو الإقتصادي. في الختام، لا يسعنا القول إلا أن المَثَلْ اللبناني الشهير «ما حدا بيتّعلم إلا من كيسو» ينطبق على السلطة السياسية التي لم تتعلّم دروسا من الأزمة اليونانية وما يُعانيه الشعب اليوناني، بل تُمعن في إيصال المالية العامّة إلى هوّة لن تكون العودة منها سالمة. رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email