Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

عجاقة: 4 خطوات أمام الحكومة لاستعادة ثقة المستثمرين

غنوة غازي

رأى الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفيسور جاسم عجاقة أنه أمام الحكومة تحدّيان أساسيّان لكي تنجح باستعادة الثقة هما أولاً التحدي الأمني الكبير المتمثّل بالخلايا النائمة الموجودة على الأرض اللبنانية، وهي أول تهديد للاقتصاد اللبناني، وثانياً الخطر الأساسي الذي يمثّل تحدياً سياسياً اقتصادياً كبيراً بدوره، وهو ضبط الحدود مع سورية لوقف التهريب، الذي يشكّل الضرر الأكبر على الاقتصاد اللبناني، وشدد على أن الحكومة اللبنانية مطالبة بـ أن تنفّذ اجراءات أمنية استباقية لكي تثبّت الثقة بالاقتصاد اللبناني، لافتاً الى أن الثقة لها ست ركائز أساسية هي: الثبات الأمني، الثبات السياسي، تداول السلطة، الخطة الاقتصادية، القوانين العصرية المواكبة للتطور، ومحاربة الفساد. كلام عجاقة ورد في حديث خاص لـ النهار اعتبر خلاله أن استعادة الثقة ومحو سمعة الفساد عن هذه السلطة السياسية لا يمكن أن يتمّ الا من خلال خطّة متكاملة. وأمام هذه الحكومة بالذات أربع خطوات عليها تحقيقها لاستعادة ثقة المواطن والمستثمرين، هي: أولاً، سنّ قانون يمنع على كل من يتعاطى الشأن العام تعاطي الشأن الخاص. ثانياً، سنّ قانون لتنظيم تمويل الأحزاب السياسية. ثالثاً، رفع السرية المصرفية. رابعاً، وضع قانون لمكافحة الفساد. تفاصيل الحديث مع البروفيسور عجاقة في الحوار الآتي نصّه: بداية، بعد تثبيت الاستقرار السياسي والأمني نسبياً، ما المطلوب من هذه الحكومة لكي تنجح بتأمين الاستقرار الاقتصادي المطلوب في هذه المرحلة؟ برأيي أن ثمة تحدياً أمنياً كبيراً ما زال يواجه هذه الحكومة ويتمثّل بالخلايا النائمة الموجودة على الأرض اللبنانية، وهي أول تهديد للاقتصاد اللبناني. فحسب معلومات علمية ناتجة عن دراسة أميركية أجرت مسحاً لتغلغل الفكر الداعشي في لبنان، تبيّن أن 4 هل تقصد أن المطلوب حل ملف النازحين السوريين قبل الشروع بالسياسة الاقتصادية؟ أنا لا أقول ان كل النازحين السوريين داعشيون لا. لكن على الحكومة أن تنفّذ اجراءات أمنية استباقية لكي تثبّت الثقة بالاقتصاد اللبناني. فعامل الثقة هو العمود الفقري للاقتصاد. والثقة لها ست ركائز أساسية هي: الثبات الأمني، الثبات السياسي، تداول السلطة، الخطة الاقتصادية، القوانين العصرية المواكبة للتطور، ومحاربة الفساد. فبلا ثبات أمني ستبقى الثقة منقوصة والاقتصاد غير مستقر، وكذلك بالنسبة لباقي الركائز. من هنا اعتبرت أن التحدي الأمني أساسي لتأمين الاستقرار الاقتصادي، ولدينا كامل الثقة بالجيش وجميع الأجهزة الأمنية لاتخاذ الاجراءات الاستباقية الملائمة. هل تعي الطبقة السياسية أهمية هذه الركائز وتعمل على تأمينها؟ لا أعتقد أن كل أركان الطبقة السياسية يعرفون هذه الركائز ويعملون لتأمينها أو تثبيتها، لكن الحرص على تأمين الاستقرار الامني واضح في هذه المرحلة. أما تحقيق النمو الذي شهده لبنان في العام 2007، فيتطلّب عوامل معيّنة أبرزها حفظ الأمن. والخطر الأساسي الذي يمثّل تحدياً سياسياً اقتصادياً كبيراً بدوره، هو ضبط الحدود مع سورية لوقف التهريب، الذي يشكّل الضرر الأكبر على الاقتصاد اللبناني. وهذا التحدي يتطلّب زيادة عدد أبراج المراقبة على طول الحدود اللبنانية السورية. هذان التحديان أساسيّان للبنان في هذه المرحلة، ولا بد من الاستفادة من الدعم البريطاني في هذا المجال، كما يستفيد الجيش اللبناني من الدعم الأميركي بالسلاح للقضاء على داعش تحديداً. ما المطلوب بعد من الحكومة لتأمين عامل الثقة المعدوم في ظل تراكم ملفات الهدر والفساد؟ باعتقادي الشخصي أن لبنان يعاني مشكلة أساسية هي استشراء الفساد في جميع ادارات الدولة، وذلك بسبب القطاع الخاص. هذا الواقع جعل استعادة الثقة أمراً صعباً للغاية حيث بات من الصعب التصديق بشفافية هذه الطبقة الحاكمة. من هنا فان استعادة الثقة ومحو سمعة الفساد عن هذه السلطة السياسية لا يمكن أن يتمّ الا من خلال خطّة متكاملة. وأمام هذه الحكومة بالذات أربع خطوات عليها تحقيقها لاستعادة ثقة المواطن والمستثمرين، وهي: أولاً، سنّ قانون يمنع على كل من يتعاطى الشأن العام تعاطي الشأن الخاص. ثانياً، سنّ قانون لتنظيم تمويل الأحزاب السياسية. ثالثاً، رفع السرية المصرفية. رابعاً، وضع قانون لمكافحة الفساد. بلا هذه القوانين الأربعة لن يتغيّر وضع لبنان ولن يوضع حد للفساد المستشري فيه، ولا يمكن لأي حكومة لبنانية أن تستعيد الثقة. ولا بد من التأكيد على أن هذه الحال هي حال الدول العربية جميعاً، وان كان الفساد واضحاً للعلن في لبنان نتيحة نظامنا البرلماني المتشرذم، تشرذماً منطقياً وطائفياً وحزبياً، ما يسهّل ولادة الأزمات فيه. ذكرت بدايةً، ضرورة فصل العمل في الشأن العام عن العمل في القطاع الخاص، وقد أقرّ مؤخراً قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين. أليس هذا كافياً؟ الفساد يتطلّب عرضاً وطلباً. وبين القطاعين العام والخاص، ثمة من يبيع وهو القطاع العام، ومن يشتري وهو القطاع الخاص. وأحدهما لا بد أن يكون أقوى من الثاني. ففي بعض الدول الأفريقية مثلاً القطاع الخاص أقوى من القطاع العام ويفرض عليه ما يريد. أما في لبنان، فالقطاع العام يسيطر على القطاع الخاص، ما يدفع بالقطاع الخاص لاعتماد أساليب فاسدة للحصول على مراده. والفرق بين القطاعيْن هو أن القطاع الخاص يحصّن نفسه ضد الفساد من خلال أنظمة الحماية الخاصة بكل شركة. وأعطي مثالاً على ذلك أن أي شركة تكتشف موظفاً فاسداً تملك حرية اقالته. لكن هذا القطاع الخاص لا يتردد بنقل الفساد الى القطاع العام لتحقيق أهدافه الربحية. من هنا أعتقد أن الفصل التام بين القطاعيْن هو الحل، بحيث يمنع على كل من يتعاطى الشأن العام تعاطي القطاع الخاص. ولهذا الفصل قواعد معيّنة، أولها عدم الجواز لموظف القطاع العام امتلاك أي مؤسسة تتعاطى مع الدولة لمنع امكانية استغلال منصبه العام لأهداف مؤسسته الخاصة. وهذا الأمر يجب أن يترافق مع تنظيم تمويل الأحزاب وكشف السرية المصرفية لتحقيق الشفافية المطلقة في الاثراء. نسمع الكثير عن مزاريب الهدر والفساد في لبنان. فما هي أبرز هذه المزاريب؟ مزاريب الهدر والفساد كثيرة للأسف، نذكر منها على سبيل المثال ملف الكهرباء، ملف العار. فقيمة تحويلات وزارة المال لمؤسسة كهرباء لبنان بين عامي 2008 و2016 بلغت 16 مليار دولار تم تحويلها لتغطية العجز في المؤسسة. فأين ذهبت هذه الأموال؟ هناك أيضاً ملف التهرب الضريبي والأملاك البحرية والنهرية، وملف التوظيف السياسي والعشوائي والانتخابي في قلب الدولة وبعض البدع المنضوية ضمنه مثل بدعة عقود المصالحة، التي وصفها مجلس شورى الدولة بأنها هرطقة قانونية، والتي تلزم الدولة بدفع رواتب لموظفين في الوزارات والادارات العامة لم يمروا عبر أي آلية توظيف رسمية، بل تم توظيفهم بايعاز من الوزير نفسه دون التدقيق بخبراتهم أو بالمهام التي وظفوا من أجلها. لكن قانون السلسلة الجديد أقرّ وقف التوظيف؟ نعم لكن هذا البند يبقى منقوصاً. فثمة ادارات معرّضة للانهيار في حال لم يتم التوظيف فيها. وبالتالي كان يجب تضمين السلسلة بنداً يجيز للحكومة نقل الموظفين من مكان الى مكان آخر. للأسف هذه الثغرات في قانون السلسلة أظهرت جهل الحكومة ومجلس الوزراء بالهيكلية الديموغرافية لاداراتهم ووزاراتهم. أما وقف التوظيف بهذه الطريقة العشوائية فلن يجدي نفعاً في الحد من الهدر القائم. من المسؤول عن هذا الهدر؟ كل وزارة وكل وزير مسؤول. وأين مسؤولية وزارة المالية في هذا السياق؟ وزارة المالية لا تتحمل أية مسؤولية لأنها ليست مفتّشاً مركزياً، ولا هي نيابة عامة. من المسؤول عن مراقبة هذا الهدر اذاً؟ التفتيش المركزي موجود، والنيابة العامة المالية موجودة وديوان المحاسبة موجود. فليتم تحريرهم من التدخل السياسي وتفعيل عملهم فقط. ماذا عن المناقصات وما يحوم حولها من شبهات؟ ما يحصل هو أن بعض الوزراء في الدولة اللبنانية قديماً حتى اليوم يتفقون سلفاً مع شركات أجنبية معينة دون سواها لتلزيمها مناقصات بهدف تحصيل أرباح مادية لهم من جرائها. وهذه الأرباح يتم تحويلها الى شركات الـأوف شور الخاصة بهؤلاء الوزراء في الخارج والتي قد تكون مسجّلة بأسمائهم أو بأسماء أحد من أفراد عائلة كل منهم! من هنا يمكن القول أن كل مناقصة تتم في الدولة اللبنانية باتت موضع شبهات. لكن ما الحل لضبط هذا الواقع؟ الحل بالدرجة الأولى يكمن بضبط الجمارك بالسبل اللازمة، وضبط الحدود البريّة لحماية الاقتصاد المحلّي، تغيير قوانين شركات الـأوف شور، وضبط المناقصات. نحن قاب قوسين أو أدنى من اقرار الموازنة. فهل تعتقد أنها ستقر قريباً أم أن اشكالية قطع الحساب قد تؤخر اقرارها؟ للموازنة رمزية خاصة تفرض اقرارها. فمن المعيب بعد كل هذه السنوات وبعد انتظام عمل المؤسسات الدستورية عدم اقرار الموازنة. أما بالنسبة لقطع الحساب، فهناك اقتراحات بوقف العمل في احدى مواد الدستور التي تؤكد على مسألة قطع الحساب، وبالتالي اقرار الموازنة دون تقديم قطع الحساب، لكن هذا الأمر مرفوض رفضاً تاماً لأنه عبارة عن تزوير فاضح. ما نطالب به اليوم هو تقديم قطع الحساب كما هو، والاعلان عن المبلغ الناقص لتكوين صورة حقيقية عن قطع الحساب. أما بالنسبة للخلل في الأرقام، فالشعب اللبناني يجب أن يعرف قيمة دينه العام بالأرقام، ما يقطع الطريق على المزيد من السرقات في المستقبل. وعلى السياسيين أن يعتادوا على فصل الشق المالي عن الشق السياسي وعلى اعتماد الدقة المتناهية في الشق المالي.

رابط النهار الكويتية  

Print Friendly, PDF & Email