لن تكون الحرب القائمة حاليّاً بين قطاع غزّة وإسرائيل كسابقاتها، فهذه المرّة، طالت المعارك العمق الإسرائيلي وهزّت بالصميم الإقتصاد مُكبدّة إيّاه خسائر بمليارات الدولارات.

فلسطينيًا، الخسائر هي بالدرجة الأولى خسائر ماديّة ناتجة عن الدمار الذي طال ويطال البنى التحتيّة والمباني حيث من المعروف عن عقيدة الإسرائيلي أنّها تتبع عقيدة زابونسكي، وهو المفكّر اليهودي الذي أوصى اليهود باستخدام القوّة المُفرطة تجاه العرب. وفي الأيام الأولى لهذه الحرب، من المتوقّع أن تصل حصيلة الدمار إلى عدّة مئات من ملايين الدولارات من الجانب الفلسطيني. إلّا أنّ هذا الرقم قد يرتفع كثيرًا في حال نفّذت إسرائيل ما وعد به وزير دفاعهاالذي قال: “قواعد الحرب تغيّرت، سنشلّ غزّة حتى تتذكّرها للخمسين سنة المقبلة “. أضف إلى ذلك أنّ قطاع غزّة يعتمد في استهلاكه على إسرائيل التي تورّد له الكهرباء والماء، وتمرّ عبر قوّاته العسكرية العديد من السلع والبضائع المستوردة إلى القطاع، وبالتالي من المتوقّع أن يوقف الجانب الإسرائيلي كلّ هذه الخدمات والسّلع.

إسرائيليّاً، الخسائر أكبر بكثير حيث أنّ الإقتصاد الإسرائيلي المتنوّع يعتمد على السياحة والصناعة التكنولوجية والعسكرية وبالتالي مع الحرب الدائرة في العمق الإسرائيلي، ستتوقّف السياحة لفترة ستمتدّ إلى حين إنتهاء العمليات العسكرية أقلّه، وهو ما يُشكّل خسائر بمئات ملايين الدولارات مرجّحة للإرتفاع مع استمرار الأزمة. أضف إلى ذلك أنّ إفراغ السكّان من المناطق المحاذية لقطاع غزّة وجنوب لبنان سيُشكّل ضربة للإقتصاد الإسرائيلي الذي سيتوقّف إلى حين عودتهم.

لكنّ الضربة الأكبر تبقى على صعيد الاستثمارات التي بدأت بالإنسحاب من إسرائيل حيث تراجعت الأسهم في بورصة تل أبيب يوم أمس مع توقّع المستثمرين لأوقات غامضة والخشية من أضرار جسيمة على الإقتصاد جرّاء الهجوم الفلسطيني، ناهيك عن احتمال فتح الجبهة الشماليّة. وانخفض مؤشّر TA-35 للشركات الكبرى بنسبة 6.

المواجهة الحالية التي تدور بين كتائب القسّام والجيش الإسرائيلي تختلف عن سابقاتها على عدّة مستوايات. ولعل الواقع الميداني هو الفارق الأول مع تقدّم م لافت وكبير لصالح كتائب القسام داخل الأراضي المُحتلّة، وهو ما سيؤثّر حكمًا على الأسواق المالية الإسرائيلية وعلى مُعظم الشركات في إسرائيل بحكم أنّ تمويل الشركات آتٍ بالدرجة الأولى من الإستثمارات في الأسواق المالية الإسرائيلية. وبحسب التوقعات الأوّلية، نحن أمام إحتمالين:

الأول – في حال استمرار الحرب لوقتٍ طويل، فإنّ الإقتصاد الإسرائيلي سيبقى تحت تهديد واضح وأكيد من قبل صواريخ حماس، وهو ما سيدفع المُستثمرين إلى الخروج بسرعة من الأسواق المالية الإسرائيلية، وذلك تحسّبًا لتراجع الإستهلاك والخسائر المادّية للشركات. وبالتالي سينحرم الإقتصاد الإسرائيلي من مصدر تمويله الأساسي أي الاستثمارات، نظرًا لأنّ هذا الإقتصاد يعتمد على الأسواق المالية بالدّرجة الأولى لتمويل الإقتصاد. أيضًا من المرجّح أن ينخفض حجم الاستثمار في الاقتصاد في القطاع العام. أضف إلى ذلك، فإنّ إستمرار الحرب سيكون له تداعيات على صورة إسرائيل في الأسواق المالية العالمية وخصوصًا أنّها (أي إسرائيل) بحاجة كبيرة للإستثمارات لتطوير الحقول الغازية ودعم صناعاتها التكنولوجية والعسكرية. وبالتالي قد ترتفع فاتورة الخسائر إلى عدّة مليارات من الدولارات وهي مرشّحة للوصول إلى أكثر من عشرة مليارات دولار أميركي في حال استمرّ الوضع أسابيع وأشهراً. ومما يزيد من مخاوف حصول هذا السيناريو هو تعهد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو باستخدام القوّة الكاملة للجيش الإسرائيلي ضدّ حماس التي بالطبّع ستردّ من جهتها، وستكون المواجهة أصعب مع استخدام حماس لأسلحة نوعية جديدة مثل الدرونات، والتي عدّلت في مجريات الأمور على الأرض.

الثاني – إذا تمّ وقف المواجهة العسكرية في الأيام المقبلة بناءً على تسوية سياسية، من المرجّح أن يكون سقف الخسائر عند عدة مليارات من الدولارات الأميركية وبالتالي سيكون الوضع ستاتيكو وستؤجّل المواجهة إلى وقت آخر. إلّا أنّ هذا السيناريو مُستبعد بحسب مُحلّلين عسكريين الذي يرون في الهجوم الفلسطيني ضربة كبيرة لمعنويات الجيش الإسرائيلي الذي يُرجّح أن يقوم بعمليات تدمير واسعة في قطاع غزّة تنفيذًا للوعد الذي أطلقه وزير الدفاع الإسرائيلي. ويتوقّع المحلّلون العسكريون أن تعمد إسرائيل إلى القيام بأعمال عسكرية غير مقبولة على الصعيد الدولي بحجّة الدفاع عن النّفس وهو ما قد يُلحق الضرر أكثر بالاقتصاد الإسرائيلي من ناحية ضعف تدفّق الاستثمارات الدولية إلى إسرائيل والعلاقات التجارية مع الدول الأخرى وهو ما سيؤثر حكمًا على النشاط الاقتصادي واستقرار الشيكل الإسرائيلي.

Source: Investing.com

ونظرًا إلى حجم الإستثمارات في الإقتصاد الإسرائيلي، من المتوقّع أن تذهب الإستثمارات التي انسحبت من هذا الأسواق المالية الإسرائيلية إلى الذهب وأدوات أخرى تُعتبر ملاذاً آمناً للإستثمار.

في الختام يبقى القول أن الإنسان هو الضحيّة الأولى للصراعات العسكرية يليه الإقتصاد الذي يتحمّل النتائج على المديين القصير والطويل.