Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الحكومة مُحاصرة برباعية تمنعها من التقدّم سريعًا لتطويق تداعيات الأزمة

توحيد المواقف السياسية ومحاربة الفساد للخروج من الأزمة

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

المُعطيات الصحفية تُشير إلى أن صندوق النقد الدولي لم يكن راضيًا خلال زيارته إلى لبنان. وإذا كانت الأسباب التي قدّمها الإعلام تعود إلى عدم جهوزية الحكومة على صعيد خطّتها الإنقاذية (وهذا صحيح)، إلا أن التحليل يُشير إلى أنه بالإضافة إلى عدم جهوزية الخطّة الإنقاذية، الحكومة مُحاصرة بأربعة عوامل تمنعها من التحرّك بسرعة كمن يسير في حقل من الألغام.

الحلول التقنية أكانت داخلية أو خارجية تتطلّب إجراءات سُمّيت بالموجعة نظرًا إلى تداعياتها على المواطن. وهذا الأمر يُشكّل العقبة الأساسية أمام الحكومة إذ كيف لها أنها تفرض مثل هذه الإجراءات وهي على علم مُسبق أنها ستُثير حفيظة الشارع الذي يأخذ إستراحة المُحارب.

وإذا قرّرت الحكومة إستهداف الثروات وهو ما تصبو إليه بعض القوى السياسية وقسم من الشارع المُنتفض، فإنها ستواجه العقبة الثانية وهي الأسواق المالية التي لن ترحم الحكومة نظرًا إلى قدسية الملكية في قاموس الأسواق بالإضافة إلى تكريس الدستور لهذا المبدأ.

وإذا ما أرادت الحكومة طلب المساعدة المالية من الخارج، فإنها ستواجه بمطالب سياسية لا تملك هذه الحكومة لا القدرة ولا الرغبة على تلبيتها خصوصًا أن تداعياتها الداخلية قد تصبح شبيهة بأحداث 7 أيار. وهذا الأمر يُشكّل العقبة الثالثة أمام الحكومة الذي يُفرمل إندفاعها نحو المُجتمع الدولي كما أن بعض القوى السياسية اللبنانية ترفض مبدأ اللجوء إلى صندوق النقد الدولي خوفًا من الكمائن التي قد ترافق مثل هذه العملية.

وإذا ما قرّرت الحكومة التخلّي عن كل هذه الحلول والتوجّه نحو محاربة الفساد والإصلاحات الداخلية، فإنها ستواجه بقوة من قبل الفاسدين الذين سيشهرون شعار «السلم الأهلي فوق كل إعتبار» لتفادي أي محاسبة عن الفساد الحالي والماضي.

إذًا مما تقدّم نرى أن الحكومة محاصرة من أربع جهات: الشعب، الأسواق المالية، المجتمع الدولي، والقوى السياسية. وبالتالي هناك شبه إجماع غير مُعلن من قبل الداخل اللبناني أو من قبل الخارج على أن هذه الحكومة ستفشل في مسعاها لإنقاذ الوطن.

ما لا تقوله القوى السياسية بالعلن هو أن هناك شرطين وضعهما المجتمع الدولي: الأول، ويشمل حكومة مُستقلّة عن القوى السياسية تقوم بمحاربة الفساد، وهو ما يسعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى طمأنة المجتمع الدولي بشأنه عبر قوله ان همّ الحكومة الأول سيكون محاربة الفساد. إلا أن محاربة الفساد لن تكون من دون تداعيات على السلم الأهلي بحكم أن الفاسدين محميون من طوائفهم.

الشرط الثاني يشمل إنتخابات نيابية مُبكرة وذلك بهدف تعديل موازين القوى التي فرضتها إنتخابات أيار 2018 النيابية. وهذا الأمر يرفضه رفضًا قاطعًا حزب الله، التيار الوطني الحرّ وحركة أمل، وتُطالب به القوى الحزبية المعارضة، القوات اللبنانية، المستقبل والإشتراكي.

هذا الأمر يجعل لبنان في حالة «deadlock» أي حالة شلل بانتظار مُعجزة تنقذ لبنان من أزمته. من هنا نرى أن أهون الحلول تكمن في تخلّي الطوائف عن حماية الفاسدين فيها وترك القضاء يأخذ مجراه على كل الأصعدة وفي كل الملفات.

التسعون مليار دولار أميركي دين على الدولة اللبنانية لم تأت من العدم ولم تُصرف على البنى التحتية ولا على الأمن الإجتماعي. إذًا هناك حكمًا فساد وهدر في مكان ما! لذا يُطرح السؤال: لماذا لا يتمّ ترك القضاء يقوم بعمله خصوصًا أن القوى السياسية أعلنت علنًا أنها لن تتدخّل في التشكيلات القضائية؟ وفي حال كان هناك شكّ من قبل بعض القوى السياسية، لماذا لا يتمّ طلب قضاة مراقبين من الخارج لمراقبة أداء القضاء اللبناني؟

مما تقدّم نستنتج أن محاربة الفساد، هي أقلّ الحلول ضررًا على لبنان بكل مكوناته وحتى أنه يصبّ في مصلحة الأحزاب السياسية التقليدية نظرًا إلى الثقة التي ستستعيدها هذه القوى عبر التخلّي عن حماية الفاسدين.

خيار فرض الضرائب وزيادة الرسوم و/أو إقتطاع من ودائع المودعين و/أو تحويل الحسابات من الدولار إلى الليرة اللبنانية و/أو خفض سعر صرف الليرة كلها خيارات ستكون مُوجعة على المواطن إذا لم تكن مترافقة مع محاربة الفساد. فمثلا تحرير صرف الليرة اللبنانية في ظل القيود على حركة رؤوس الأموال سيؤدّي إلى ضربة مزدوجة للمواطن: خسارة في رأس المال وزيادة كبيرة في الأسعار (مثلا صفيحة البنزين على سعر دولار الصيارفة ستُصبح بأكثر من 40 ألف ليرة لبنانية). إذًا كيف يُمكن تبرير تحرير سعر صرف الليرة في حين أن الفساد لم يُحارب في الكهرباء، الإتصالات، الأملاك البحرية والنهرية، التهرّب الضريبي، التهريب الجمركي…؟ هكذا قرار سيكون بنزيناً لإشعال الثورة من جديد!

الخروج من الأزمة يفرض توحيد في المواقف بين مختلف القوى السياسية الموالية والمعارضة، لأن أي إجراء سيُتخذ وليس هناك إجماع عليه، سيضع الحكومة في موقف حرج قد يُطيحها خصوصًا مع الضغوطات الخارجية التي من الواضح أنها ستزداد في الأسابيع والأشهر القادمة.

مضى على إنتفاضة 17 تشرين أكثر من 130 يومًا وما زالت الأمور كما كانت عليه، لا بل على العكس تزداد الكلفة يومًا بعد يوم. ما هو مطلوب اليوم هو فكّ القيود عن الحكومة لتركها تقوم بأكثر الأمور إلحاحًا وهو محاربة الفساد. الوقت يمرّ وقد نُصبح مُرغمين على قبول ما لا نقبل له اليوم! هذا الأمر يفرض وجود رجال دولة يأخذون قرارات وطنية بإمتياز بمعزل عن كل الحسابات الأخرى.

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة