jassemajaka@gmail.com
الدراما اللبنانية… تحدٍ كبير أمام حكومة الرئيس حسان دياب
بيئة حاضنة لفساد مُستشرٍ أصبح أقوى من الدولة ومؤسساتها
الديار | بروفسور جاسم عجاقة
تشخيص المرض يعني إيجاد العلاج! هذا ما يسعى إليه كل طبيب يُعنى بمريض. من هذا المُنطلق فإن التشخيص الدقيق للحالة اللبنانية يسمح للحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب بإيجاد الدواء الشافي للواقع الذي نعيشه. وقد يظنّ البعض أن هذا القول هو قول فلسفي، إلا أن إيجاد حلّ للمُشكلة المالية لا يُمكن أن يكون ماليًا فقط، كما أن إيجاد حلّ للمُشكلة الاقتصادية لا يُمكن أن يكون اقتصاديًا فقط.
من هذا المنطلق يتوجّب الغوص في الواقع اللبناني لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه. وهنا نرى أن هناك هشاشة على كل مُستويات الحياة العامّة اللبنانية.
} المشهد السياسي }
يرى الباحثون في المجال السياسي أن عدد الوزراء في الحكومة هو مؤشر على وجود أو غياب الثقة بين القوى السياسية. فعدد كبير من الوزراء يعني أن الثقة بين الأحزاب السياسية غير موجودة، مما يعني أن كل حزب يسعى إلى أخذ حصته في الحكومة لكي يكون شريكاً في القرار السياسي وحماية مصالحه من قرارات قد تأخذها الحكومة.
هذا الأمر فرض مبدأ الحصص في كل مؤسسات الدولة حتى أن بعض المؤسسات أصبحت مسماة على قوى سياسية بحكم أن إتفاق الطائف الذي أنهى 15 عامًا من الحرب العبثية، فرض مفهوم «السلم الأهلي فوق كل اعتبار» مما يعني أن فرض أمر غير مرغوب من فريق مُعيّن يؤدّي إلى ضرب السلم الأهلي!
هذا الأمر عطّل مؤسسات الدولة بما فيها مجلس الوزراء الذي يُمثّل السلطة التنفيذية في لبنان. وأصبحت المؤسسات ضعيفة أمام هجمة القوى السياسية التي أصبحت تتحكّم بمفاصل الدولة من خلال التعيينات الإدارية. وبالنظر إلى الملفات العالقة منذ عقود، نرى أن عدم البت فيها من قبل الحكومات المُتعاقبة آت من عدم قدّرة هذه الحكومات على إتخاذ القرار على الرغم من نصّ الدستور على أن القرارات تُتخذ بالتوافق وإلا الذهاب إلى التصويت. أيضًا لا يُمكن نسيان الفراغات الرئاسية والحكومية التي تحصل في لبنان والتي تنسحب على كل الوظائف في الإدارات العامّة مع مئات الأماكن الشاغرة.
} المشهد الإجتماعي }
على الرغم من أن إتفاق الطائف نصّ بشكل واضح على إلغاء الطائفية السياسية، إلا أنه وبعد مرور 30 عامًا، لا يزال لبنان يسبح في بحر الطائفية التي تتحكّم بمفاصل الدولة. هذا الأمر يمنع الإنصهار الإجتماعي بين كل المكونات التي تتقوقع في بيئتها مع انفتاح على مُجتمعات خارجية إعتقادًا منها أن هذه المُجتمعات تُشبهها أكثر من المكونات اللبنانية الأخرى. وهذا الأمر يفتح المجال أمام حذر إجتماعي من قبل الجميع من أي تغيير ديموغرافي، ويُشكّل بابًا تدخل من خلاله الصراعات الإقليمية والدولية إلى لبنان!
ويبقى غياب العدالة الإجتماعية والإقتصادية السبب الرئيسي للفقر المُتفشّي في المجتمع اللبناني مع أرقام تُحاكي دول العمق الأفريقي أو الجنوب الأميركي! أكثر من 3
} المشهد الاقتصادي }
أمّا الواقع الاقتصادي فحدّث ولا حرج حيث أن النموذج الاقتصادي الحالي فشل عند أول تجربة حظر أجنبية (غير مُعلنة) على لبنان! البنى التحتية متآكلة ولا تتلاءم والواقع الاقتصادي والاجتماعي، الكهرباء التي هي عنصر أساسي في الإقتصادات الحديثة لا تمّت إلى الحداثة بشيء، النقل غائب بالكامل، الإتصالات من الأغلى في العالم…
وبالتالي لا تستطيع الماكينة الإقتصادية تأمين فرص عمل تتناسب ومهارات الشباب اللبناني الذي يضطرّ مُرغمًا إلى الهجرة وإرسال الأموال إلى ذويه. كما أن هذا النموذج اعتمد على الإستيراد لدرجة أصبح الدولار عنصراً أساسياً في الماكينة الإقتصادية ومن دونه، هناك شبه شلّل في النشاط الإقتصادي. والأصعب أن الفساد وضع الإستيراد في يدّ قلّة من المُحتكرين يتمتّعون بغطاء بعض أصحاب النفوذ مما يجعل عملية إنقاذ الإقتصاد عملية صعبة قد تواجه الحكومة الحالية بسببها مشاكل جّمة!
} المشهد المالي }
من أكثر الضحايا شهرة وضررًا للفساد، المالية العامّة التي ترزح تحت عجز هائل لا نعرف كيفية صمود الدولة كل هذا الوقت مع وتيرة عجز بمُعدّل 3.3 مليار دولار أميركي سنويًا منذ إنتهاء الحرب الأهلية! وقد يقول البعض ان هذا العجز تمّ تمويله من خلال الدين العام وهذا كلام صحيح، إلا أن المؤسف أن الماكينة الإقتصادية لم تستطع إامتصاص هذا العجز ولا تخفيف وطأته. فشركة كهرباء لبنان إستهلكت ما يزيد عن 40 مليار دولار أميركي منذ التسعينات وحتى يومنا هذا وما يزال النزف المالي مُستمراً! أما الجمارك فحدّث وعلى حرج مع خسائر بأرقام خيالية على خزينة الدولة تفوق المليار ونصف مليار دولار أميركي سنويًا. وماذا نقول عن التهرّب الضريبي الذي يُشكّل النزف الأكبر للمالية العامة مع تقديرات بأربعة مليارات دولار أميركي سنويًا… بالطبع هناك أيضًا المناقصات العمومية ومشاريع «الفيل الأبيض» والإنفاق العام والتوظيف العشوائي في القطاع العام وغيرها من أماكن الفساد والهدر!
} المشهد البيئي }
بيئيًا، الوضع كارثي! هذا أقل ما يُمكن أن يُقال مع أطنان من النفايات التي تُرمى كل يوم في البحر في مطمري برج حمود والكوستا برافا. والتلوث في نهر الليطاني وصل إلى مستويات كارثية يدفع ثمنها الأهالي الذين يعيشون بالقرب من النهر مع تحمّلهم لأمراض خطرة مثل السرطان وغيره.
الفساد هو المسؤول عن كل هذه الكوارث! نعم هو الذي منع حتى الساعة مشاريع الصرف الصحي التي بدل أن تعالج، يتمّ رميها في البحر وفي الأراضي الجبلية مما يلوّث ينابيع المياه. وماذا نقول عن التلوّث الجوي نتيجة مؤسسة كهرباء لبنان والعديد من المصانع التي تُلقي بنفاياتها الخطرة في الهواء الطلق مما يُشكّل فاتورة بيئية بكلفة عالية تصل إلى 2.45 مليار دولار أميركي سنويًا.
} مُهمّة صعبة على الحكومة }
هذا الواقع يُشكّل بيئة حاضنة ومُحفّزة للفساد الذي أصبح أقوى من الدولة اللبنانية وأقوى من مؤسساتها حيث وباعتراف الجميع هناك فساد، لكن لا يوجد فاسدون! إنها الحقيقة المرّة التي على الحكومة اللبنانية أن تواجهها وبالتالي ستكون مُهمّتها محفوفة بالمخاطر لأن أي حل تقترحه للخروج من الأزمة يمرّ إلزاميًا بمحاربة الفساد الذي وصل إلى مستويات يُهدّد الحكومة بحدّ ذاتها.