jassemajaka@gmail.com
العقوبات الأميركيّة على إيران : أبعاد سياسيّـة وإقتصادية
الديار | بروفسور جاسم عجاقة
ماذا يهدف الرئيس الأميركي من فرض عقوبات إقتصادية على الجمهورية الإسلامية في إيران؟ سؤال يفرض نفسه بعد التطوّرات العسكرية الأخيرة التي عاشتها المنطقة على خلفية إغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني والردّ الصاروخي الإيراني. فقد أعلن ترامب الأسبوع الماضي عن نيته فرض عقوبات جديدة على إيران كردّ على الهجوم الصاروخي على القواعد العسكرية الأميركي في العراق. وقال ترامب أن هذه «العقوبات الكبيرة ستبقى سارية المفعول حتى تُغيّر إيران من سلوكها».
بالطبع سارع المُحللون السياسيون والعسكريون لتحليل الرد والردّ على الردّ بهدف معرفة الخطوات القادمة وماذا ينتظر المنطقة من تصعيدات جديدة. فمنهم من قال إن الردّ على الردّ هو أقصى ما يُمكن أن يفعله ترامب نظرًا إلى قرب الإنتخابات الرئاسية الأميركية والتي عادة ما تشلّ قدرة الرؤساء الأميركيين على شنّ الحروب. أمّا البعض الأخر فقد ذهب إلى حدّ القول إن الرئيس ترامب قد يعمد إلى ضربات عسكرية محدودة ضدّ إيران في كل مرّة سيتمّ مُهاجمة قواعد أميركية في المنطقة.
في الواقع التحليل يُشير إلى أن الموضوع له أبعاد إقتصادية بالإضافة إلى الأبعاد السياسية. هذه الأبعاد الإقتصادية تتمثّل بالملف النفطي الإيراني والحرب الإقتصادية بين الولايات المُتحدة الأميركية والصين. فهذه الأخيرة لا تزال تستورد النفط الإيراني على الرغم من العقوبات الأميركية على إستيراد النفط الإيراني. وبالتالي قدّ يكون في كواليس البيت الأبيض توجّه نحو فرض عقوبات على الشركات الصينية التي لا تزال تستورد النفط الإيراني ومنع أية إستثمارات صينية في قطاع النفط الإيراني الذي يحتاج إلى مئات مليارات الدولارات من الإستثمارات لتطوير قدرته الإنتاجية. الجدير ذكره أنه وبغياب الإستثمارات، هناك تراجع طبيعي للقدرة الإنتاجية للآبار النفطية في الدول النفطية، لذا يتمّ تخصيص قسم من المداخيل للمحافظة على القدرة الإنتاجية على مستواها.
بالطبع مثل هذه العقوبات لها مفعول مزدوج، فمن جهة تضغط إقتصاديًا على النظام الإيراني وتُحاصره من أجل تطويع قراراته السياسية، ومن جهة أخرى تضغط على الإقتصاد الصيني المُنافس الأول والأوحد للإقتصاد الأميركي عبر إلزام الشركات الصينية إستيراد النفط من دول أخرى بسعر أعلى. الجدير ذكره أن الصين تستورد النفط الإيراني بأسعار مُنخفضة عن أسعار السوق.
وفي حال تمّ فرض هذه العقوبات، ستُصبح لائحة القطاعات الإقتصادية التي تطال الجمهورية الإسلامية في إيران أطول وتطال: القطاع المصرفي، قطاع السيارات، الحديد والألومنيوم، الأحجار الكريمة. وبحسب المعلومات المُتوافرة، هناك بعض القطاعات التي قدّ تُصبح على لائحة العقوبات مثل السياحة، والمُساعدات الإنسانية.
وتُشير بعض التحاليل إلى أنه من بين الإجراءات التي قدّ تتخذها واشنطن على صعيد العقوبات، تحسين قدرة ملاحقة الشركات والأفراد الذين يُخالفون العقوبات الأميركية وعلى رأسها شركات أسيوية تعمل على تحويل الأموال إلى إيران عبر عمليات مالية مُعقدّة تتمّ على البورصات الأسيوية. أيضًا في أهداف واشنطن بعض الشركات التركية التي تحافظ على علاقات إقتصادية تاريخية مع فئات من الإيرانيين على الرغم من كلّ العقوبات المفروضة على إيران منذ عقود.
لكن السؤال الأساسي المطروح هو عن فائدة هذه العقوبات التي لمّ تستطع إخضاع إيران كل هذه الفترة. فلماذا ستُغيّر إيران سياستها الأن؟ وهل هناك من أهداف أخرى للولايات المُتحدة الأميركية؟
من الواضح أن الإيرانيين لن يُغيّروا من سياستهم أو أقلّها مواقفهم على بعض الملفات الإستراتيجية بالنسبة لهم. وهذا الأمر يعلمه الأميركيون جيدًا! لذا يرى البعض أن إظهار إيران بموقع الدولة التي تحاول الحصول على القنبلة النووية (وهو ما يُشير إليه ترامب بشكل دائم في خطاباته)، يهدف قبل كل شيء إلى إرسال رسالة واضحة لدول الشرق الأوسط والشرق الأدنى الطامحة للحصول على القنبلة النووية، إلى ما يُمكن أن يحصل معهم إذا حاولوا الحصول على سلاح الدمار الشامل النووي.
بالطبع لا يُمكن نسيان البعد الإنتخابي للإجراءات المُتخذة ضدّ إيران وهو ما يحرص الرئيس ترامب على فعله من خلال إيصال رسالة إلى الناخبين الأميركيين عبر إظهار القوّة الأميركية. بالطبع هذا الأمر لا ينجح بالضرورة خصوصًا بين أنصار الديموقراطيين الذين يرون أن إجراءات ترامب تُعقّد العلاقة بين الولايات المُتحدة الأميركية وإيران أكثر ولكن أيضًا بين إيران والعديد من الشركات في العالم التي تسعى لنسج علاقات إقتصادية مع إيران مما يُعقدّ العلاقات مع دول هذه الشركات وعلى رأسها الصين التي وصلت العلاقات بينها وبين الولايات المُتحدة الأميركية إلى مستويات سيئة.
هذا الأمر قدّ يدّفع بعض البلدان إلى البحث عن بديل عن الدولار الأميركي في التعاملات التجارية العالمية مما سيُساهم في تراجع الدولار خصوصًا أن العديد من الدول الناشئة أصبحت تحت العقوبات الأميركية.
مما لا شكّ فيه أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تعي هذه المخاطر، إلا أنه من الظاهر أن الولايات المُتحدة الأميركية ما زالت تتمتّع بهامش كبير لفرض عقوبات في العالم نظرًا إلى حجم إقتصادها ونظرًا إلى سيطرة الدولار على التجارة الدولية.