jassemajaka@gmail.com
كِفّو شائعاتكم الهدّامة التي تقضي على كل مقومات الكيان اللبناني
زرع اليأس هو إنتصار للشرّ، وزرع الأمل هو إنتصار للخير
الديار | بروفسور جاسم عجاقة
تُعرّف الحرب النفسية على أنها “إستعمال مخطّط ومُمنّهج للدعاية ومُختلف الأساليب النفسية للتأثير على أراء ومشاعر وسلوكيات العدو بهدف تحقيق الأهداف”. وهناك تعريف أخر ينطبق على الحالة اللبنانية ألا وهو “إستخدام تقنيات الدعاية لدفع الخصم إلى الإعتقاد أنه في وضع خسارة وبالتالي الإستسلام”. إذًا يُمكن تعريف الحرب النفسية على أنها حرب بواسطة الأفكار وتهدف إلى تحقيق ما يُمكن تحقيق بوساطة السلاح أو حتى أكثر من دون إستعمال هذا الأخير بل عبر بث شائعات لا تعكس بالضرورة الحقيقة وبثها بطرق مُختلفة.
في الواقع هذه الشائعات تضرب الثقة التي هي أساس الإقتصاد. فمعروف أن العلوم الأقتصادية وحتى العلوم السياسية تضع الثقة كأساس للإقتصاد، المجتمع والديموقراطية. وبحسب النظرية الإقتصادية، تُعتبر الثقة أمل بالقدرة على القيام بعمل مُعين، وبالتالي إعطاء الثقة هو أمر شخصي يدخل في صلب مكونات الدماغ التي تحدّث عنها بلاتو أي الإدراك والعاطفة. ويتمّ النظر إلى هذه الثقة على أساس أنها لا تعني الضمانة بل أنها تتطوّر في إطار من المخاطر. وهنا تبرز كل المعضلة إذ أن زيادة نسبة المخاطر تعني القضاء على هذه الثقة، فمن يضع ثقته في شخص أخر أو في نظام (حكومة مثلًا)، يضع نفسه في حال من الهشاشة. وتعتبر هذه النظرية أن الثقة هي مكوّن أساسي في المجتمع من دونه يتفكك هذا المجتمع.
لم تعد تُفاجئني الأخبار التي أتلقّاها على برنامج الواتساب الخاص بي. فقد زاد عدد الشائعات التي تعصف بمواقع التواصل الإجتماعي إلى درجة لم تترك موضوع يُرعب الناس إلا وتتطرّقت له. ومنذ أيلول الماضي ولبنان يعيش على وتيرة الشائعات التي تؤثّر سلبًا على سلوك اللاعبين الإقتصاديين على مثال ما حصل ويحصل في المصارف وأدّى إلى تهافت لا مثيل له لسحب الودائع! وليس أخر هذه الشائعات ما طال أحد المصارف اللبنانية نهار أمس حيث قيل أنه سيُعلن إفلاسه بعد بضعة ساعات أو خبر هروب حاكم مصرف لبنان إلى الولايات المُتحدة الأميركية وإعلان إستقالته من هناك.
هذه الأخبار الهدّامة تضرب الأقتصاد وتزيد من سوء الوضع الإقتصادي والإجتماعي الذي هو بالأساس في حالة يُرثى لها نتيجة السياسات الإقتصادية التي قامت بها الحكومات المُتعاقبة.
القانون يُعاقب من يُطلق الشائعات، ولكن كما العديد من القوانين في الدّولة اللبنانية غير المُطبّقة، يتمّ ترك مُطلقي الشائعات من دون حسيب أو رقيب. مثلًا تنص المادتين 319 و320 من قانون العقوبات على ملاحقة كل من يُطلق أخبار كاذبة تؤثّر سلبًا على النقد، سندات الخزينة كما والأوراق المالية الصادرة عن الدولة. أضف إلى ذلك أن إطلاق الشائعات تخطّى الضرر على لاعب إقتصادي واحد ليطال كل الكيان اللبناني.
من الضروري القول أن الوضع الإقتصادي، المالي والإجتماعي لم يكن على أفضل حال قبل بدء الإحتجاجات الشعبية. لا بل على العكس، الإنعطاف السلبي لهذا الوضع بدأ منذ العام 2011 وإستفحل في العام 2019 ليُشكّل شرارة إنفجار الإحتجاجات الشعبية.
إلا أن المُشكلة التي حصلت هي أن إقفال المصارف لمدة أسبوعين وما واكبها من شائعات عن إفلاس مصارف وإنهيار سعر صرف الليرة أوصل الوضع إلى ما نحن عليه اليوم. وبكل بساطة يُمكن القول أن ثقة الشعب إنفقدت بالسياسة، الإقتصاد، النقد، القطاع المصرفي وحتى بين أفراد المجتمع! نعم هذا نتاج أساسي لهذا الكمّ الهائل من الشائعات التي أصبحت تقود لبنان كورقة شجر في العاصفة. ولم يُساعد الشلل السياسي الحاصل على إستعادة هذه الثقة بل على العكس، غياب الحكومة ساعد في ضرب هذه الثقة التي يُمكن القول أنها في أدنى مستوياتها وهي تضع الشعب في مواجهة الجيش في كل مكان.
لقد نجحت الحرب النفسية على لبنان، إذ من دون أي صراع مُسلّح إستطاع أعداء لبنان من شلّ حركته الإقتصادية وإفقاره ووضعه في خانة الدول المرشّحة للوصاية الدولية. والأصعب في الأمر أن هذا الأمر لم يكن ليحصل لولا مشاركة البعض في عملية بث السموم هذه!
إلى متى نشر الشائعات الهدّامة؟ ألا يكفي ما وصلنا إليه؟ لا حاجة للشائعات للقول أن الوضع الإقتصادي في الحضيض، أو أن الوضع المالي العام كارثي، أو أن المصارف تواجه مُشكلة سيولة، أو أن الليرة تعيش تحت ضغط لم تشهده منذ تسعينات القرن الماضي. هل هذه الشائعات تدخل في حرب نفسية تهدف إلى إستسلام الشعب اللبناني والقضاء عليه؟
لفتني البارحة أحد الفيديوهات التي تجوب مواقع التواصل الإجتماعي لأحد المواطنين الذي يقول أنه ينوي الإنتحار ويقول وصيته طالبًا الإهتمام بأولاده. لا نعلم صحة هذا الفيديو نظرًا للكمّ الكبير من الشائعات، إلا أن هذا الأمر إذا صحّ يعني أن زرع اليأس هو إنتصار للشرّ!
الواقع الحالي يتطلّب رجال دولة للخروج من المأزق السياسي الحالي والقيام بإصلاحات على رأسها محاربة الفساد ومحاسبة سارقي المال العام. هذا هو المطلوب ويجب أن تتمحور المطالب الشعبية حول هذه النقاط علّنا نستعيد ثقتنا بأنفسنا وثقة المجمتع الدولي فينا وبالتالي النهوض من الواقع الآليم الذي نعيشه والذي أسست له وغذّته المحاصصة السياسية الحزبية المذهبية الطائفية البغيضة.
كفو شائعاتكم عنّا، وساهموا في بناء هذا البلد من خلال الضغط السياسي الذي يضمنه الدستور اللبناني والقوانين الدولية، بذلك نزرع الأمل في النفوس وبالتالي ينتصر الخير.