Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

10.5% عجز 2019، والحكومة العتيدة في مواجهة تحدّيات جديدة قاهرة

العقدّة الأساسية تكمن في إيجاد تمويل للإستحقاقات المالية في العام 2020

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

تُظّهر أرقام وزارة المال أن مُشكلة العجز في الموازنة هي مُشكلة هيكلية أي أن هذا العجز هو نتاج إنفاق أعلى من الإيرادات وذلك على مرّ عقود من الزمن. والأهم في ما يُمكن إستخلاصه في هذه الأرقام أن نسبة نمو الإنفاق فاقت بأشواط نسبة نمو الإيرادات!

ويُمكن القول من دون تردّد أن هذا الأمر هو نتاج الخطأ في تقديرات الموازنة على مرّ السنين حيث أن العجز المُتوقّع في كل الموازنات وحتى مشاريع الموازنات (حين لم يكن هناك من موازنات)، لم يكن أبدًا العجز المُحقّق في أخر العام. وفي محاولة لتفسير هذا الأمر يُمكن إستخلاص عدّة إحتمالات منها الخطأ في منهجية تحضير الموازنة، عدم إلتزام الحكومات المُتعاقبة بالإنفاق المُتّفق عليه، ضعف الجباية، الفساد، غياب الإصلاحات…

أرقام صادمة

هدف هذه المُقدّمة ليس تحميل المسؤوليات، بل هي تذكير بالماضي لكيّ تكون موازنة العام 2020 إنعكاس حقيقي لما هو على الأرض وليس على مثال الموازنات السابقة التي كانت في وادٍ والتطبيق في واد أخر.

بحسب أرقام وزارة المال، إرتفعت كلفة الأجور والتعويضات والتقاعد في القطاع العام من 3583 مليار ليرة لبنانية في العام 2007 إلى 9520 مليار ليرة في العام 2018 وأقفلت في أيلول على ما يُقارب الـ 7140 مليار ليرة لبنانية!

أمّا بند خدّمة الدين العام، فبعد أن كان يناهز الـ 4941 مليار ليرة في العام 2007، إرتفع ليصل إلى 8156 مليار ليرة في العام 2018 ومن المُتوقّع أن لا يقلّ هذا الرقم في العام 2019.

ويبقى دعم مؤسسة كهرباء لبنان النقطة السوداء الإضافية على هذا الإطار حيث يستهلك هذا البند ما بين 1500 مليار ليرة إلى 3157 مليار ليرة سنويًا مع 2647 مليار ليرة في العام 2019.

وعلى صعيد النفقات التشغيلية إرتفعت الفاتورة من 1137 مليار ليرة في العام 2007 إلى 4653 مليار ليرة في العام 2018!

أرقام وزارة المال المعروضة على بوابتها الإلكترونية تتوقّف عند أيلول 2019، أي أن أرقام المالية العامة للأشهر الثلاثة الأخيرة (تشرين الأوّل، تشرين الثاني، وكانون الأوّل) غير مُتوفّرة. لكن تصريحات وزير المال علي حسن خليل عن تراجع إيرادات الدولة خلال هذه الأشهر بنسبة 4

إذًا وبفرضية أن الإنفاق إستمر في الأشهر الثلاث الأخيرة على نفس الوتيرة سابقًا، ومع إنخفاض الإيرادات بنسبة 4

عمليًا، الحكومة العتيدة، ستبدأ مشوارها مع معوقات جديدة تتمثّل بإيرادات مُرشّحة للإنخفاض أكثر مع الوقت. وهذا الأمر يُصعّب من مُهمّتها الأساسية وهي مواجهة إستحقاقات المالية العامّة في العام 2020!

إستحقاقات 2020

إذًا وبحساب بسيط، هناك ما يُقارب الـ 6 مليار دولار أميركي عجز هذا العام (2019) بالإضافة إلى عجزّ موازي (على الأقلّ) في العام 2020 وإستحقاقات دين عام بالدولار الأميركي بقيمة 4.3 مليار دولار أميركي وإستحقاقات الدين العام بالليرة اللبنانية. وهو ما يزيد عن 18 مليار دولار أميركي يجب تأمينهم!

من أين يُمكن تأمين هذه المبالغ الطائلة؟ سؤال يستحق الطرح خصوصًا أن هناك صعوبة على الدولة (أقلّه على صعيد العملة الصعبة) لإقتراض الأموال في الأسواق نظرًا إلى تصنيفها الإئتماني ونظرًا إلى البعد السياسي الدولي للأزمة الحالية! وبالتالي الخيارات المطروحة أمام هذه الحكومة هي خيارات محدودة.

على رأس هذه الخيارات هناك خيار التوجّه بطلب مساعدة إلى صندوق النقد الدولي، وهذا يعني تنفيذ شروط هذا الصندوق بشكلٍ شبه كلّي! وهذا الأمر سيضع الحكومة في مواجهة غضب الشعب خصوصًا فيما يخصّ الضرائب، التقديمات الإجتماعية وسعر صرف الليرة (إذا ما حصلّ). الجدير ذكره أن مُعظم شروط صندوق النقد الدولي موجودة في شروط مؤتمر سيدر والتي كانت الحكومة السابقة غير مُتحمّسة لتطبيقها بالكامل نظرًا إلى ردّة فعل الشارع المتوقّعة (خطاب الرئيس الحريري في مجلس النواب خلال مناقشة موازنة العام 2019).

الخيار الثاني يتمثّل باللجوء إلى عمليات swaps قدّ تسمح بتفادي اللجوء إلى صندوق النقد الدولي (إلا للإستشارة) ومن جهة أخرى تسمح بتسديد الإستحقاقات المالية شرط أن تقوم الحكومة العتيدة بوضع خطّة مالية واضحة لإستعادة السيطرة على العجز (بشكل جدّي) عبر إصلاحات هيكلية تطال الفساد ولكن أيضًا الإنفاق العام بكل جوانبه كما والإيرادات.

ويبقى التحدّي الثاني الذي ستواجهه الحكومة والمُتمثّل بكيفية تحفيز الدوّرة الإقتصادية وجذب الإستثمارات في وقت أكثر ما يحتاجه لبنان هو الإستثمارات. بالطبع هنا يتوجّب على الحكومة إستعادة ثقة المُتستثمرين المُقيمين وغير المقيمين كي يتمّ تفعيل الإستثمارات. أمّا في ما يخصّ مؤتمر سيدر، فإن تطبيق شروط المؤتمر (من إصلاحات) كفيل بتحرير قسم من أموال هذا المؤتمر أقلّه في النصف الأوّل من العام 2020.

يبقى القول أن الحكومة العتيدة ستكون أمام مجموعة من الإمتحانات على رأسها إستحواذ الثقة المحلّية والثقة الدوّلية قبل أن تواجه تحدي إنتشال لبنان من الوحول العالق بها.

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة