Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هكذا ينتحر لبنان إقتصاديًا.. 20 مليار دولار الإستيراد والمواد الغذائية تُشكّل الثلث

الحلول موجودة والإرادة هي المطلوبة لتنفيذ خطّة إستراتيجية على ثلاث مراحل

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

عشرون مليار دولار أميركي هي قيمة الإستيراد السنوي للبنان! رقم يهز الكيان اللبناني مع ما له من تداعيات على سوق العمل، ميزان المدفوعات، الناتج المحلّي الإجمالي، الليرة اللبنانية… والأهم التداعيات السلبية على القرار السيادي. البحث في أسباب هذا الكمّ الهائل من السلع والمنتوجات المُستوردة من الخارج، يوصلنا إلى نتيجة مُحزنة: لبنان بلد يعتمد على الإستيراد في كل شيء تقريبًا وخصوصًا المواد الغذائية وبالتالي أصبح يفتقد إلى الأمن الغذائي!

يستورد لبنان هذه السلع والبضائع مقابل أثمان تُدّفع بالدولار بالدرجة الأولى، لكن أيضًا باليورو. وحتى الدفع باليورو يكون في أغلب الأحيان من خلال تحويل الدولار إلى يورو.

مدخول لبنان من الدولارات يأتي من السياحة (ما يقارب الـ 6 مليار دولار أميركي)، والتصدير (2.9 مليار دولار أميركي)، وتحاويل المغتربين (7 مليار دولار أميركي) … وبالتالي لا تكفي هذه المداخيل بالدولار لتغطية الإستيراد بالعملة الصعبة وتحاويل العاملين الأجانب في لبنان وسياحة اللبنانيين في الخارج…

الواقع على الأرض، يُشير إلى أن الإستثمارات التي أتت إلى لبنان في الأعوام 2007 إلى 2010، كان لها دور كبير في زيادة حجم الإستيراد بحكم أن قسماً من هذه الإستثمارات ذهبت إلى الموظّفين وبالتالي زادت من قدرتهم الشرائية مما دفعهم إلى إستهلاك سلع وبضائع لا يُنتجها لبنان. وقد جنى بعض التجّار ثروات طائلة نتيجة الفارق بين سعر الإستيراد وسعر المبيع وحجم الإستيراد.

} الواقع الأليم بالأرقام }

ما قدّمناه أعلاه لا يهدف إلى زرع التشاؤم لدى القارئ، بل هو وصف لحقيقة مرّة كان بمقدور لبنان تفاديها لو كان هناك من سياسات إقتصادية تفرض ضرائب على أرباح الإستيراد وتُقللها على القطاعين الزراعي والصناعي.

وقبل طرح ما يُمكن القيام به للخروج من هذا الواقع الأليم، يتوجّب ذكر بعض الأرقام التي تذهب في إتجاه دعم ما سنطرحه لاحقًا (الأرقام هي أرقام العام 2018 من مركز التجارة الدولي ITC):

– يستورد لبنان مشتقات نفطية بقيمة 3.8 مليار دولار أميركي سنويًا؛

– 1.15 مليار دولار قيمة إستيراد السيارات المُصمّمة لنقل الأشخاص؛

– 962 مليون دولار أميركي قيمة إستيراد الأدوية؛

– 382 مليون دولار قيمة الأبقار الحيّة التي يستوردها لبنان؛

– 181 مليون دولار أميركي قيمة إستيراد الجبنة والخثارة؛

– 131 مليون دولار أميركي هو ما يستورده لبنان من القمح سنويًا؛

– تُشكّل قيمة إستيراد الألبسة النسائية ما يُقارب الـ 127 مليون دولار أميركي؛

– 121 مليون دولار أميركي قيمة الإستيراد من الخبز والمعجنات والكعك والبسكويت؛

– الأغذية المُحضّرة، 119 مليون دولار أميركي؛

– 119 مليون دولار أميركي قيمة الإستيراد من المحضّرات الغذائية من الدقيق، الحبوب أو النشاء أو مستخلص الشعير؛

– 117 مليون دولار أميركي قيمة الإستيراد من الذرة؛

– 113 مليون دولار أميركي قيمة الإستيراد من الأثاث؛

– 104 مليون دولار أميركي قيمة الإستيراد من الحليب والقشدة؛

– 102 مليون دولار أميركي قيمة الإستيراد من لحوم الأبقار الطازجة أو المبرّدة؛

} الحلول موجودة والإرادة مطلوبة }

إن الإستراتيجية الواجب إتباعها تقضي قبل كلّ شيء بالنظر إلى القطاعين الأولي والثانوي على أساس أنهما عنصران حيويان في أي نهضة إقتصادية في لبنان نظرًا إلى الإستدامة التي يؤمّنها هذين القطاعين. والمعروف تاريخيًا أن أي تطور إجتماعي وإقتصادي في أي بلد كان لا يُمكن أن يتحقّق إلا من خلال الصناعة التي تعتبر عامود التطور العصري.

تحوي هذه الإستراتيجية على ثلاثة أهداف:

أولا- إستعادة لبنان لأمنه الغذائي المفقود حيث أن 8

ثانيًا- خفض العجز في الميزان التجاري إلى مستويات مُنخفضة جدًا مع تحويله إلى فائض في المستقبل من خلال ماكينة إقتصادية تعتمد الإنتاج بدل الريّع.

ثالثًا- وضع لبنان على لائحة الدوّل المُتطوّرة من خلال إمتلاك قطاع صناعي (صناعة تحويلية، رقمية…) تكون نقّطة تحوّل في تاريخ لبنان.

هذه الإستراتيجية يُمكن ترجمتها إلى خطّة على ثلاثة مراحل وتمتد على أكثر من 30 عامًا:

المرحلة الأولى- وهي المرحلة الأكثر ضرورة لمواجهة الأزمة الحالية التي تعصف بلبنان وتنصّ على إستبدال السلع المستوردة (صناعية أو زراعية) بسلع منتجة محليًا (مثلا أول 100 سلعة ومنتج مستورد). وتترافق هذه المرحلة مع تحفيز كبير لمناخ الأعمال والإستثمارات مع إعطاء الشركات التي تُنتج السلع المستوردة تحفيزات ضريبية وقروض في نفس الوقت الذي يتمّ فيه فرض حماية جمركية لهذه السلع والبضائع.

ويكون نتاج هذه المرحلة، خفض العجز في الميزان التجاري، وقف التدهور في المالية العامة، وإستقرار أسعار الإستهلاك.

المرحلة الثانية- وتنص على بدء تصدير السلع والبضائع عبر دعم الشركات المُصدّرة وإطلاق المُجمّعات الصناعية والتكنولوجية وفتح الأسواق العالمية للمنتوجات اللبنانية.

ويكون نتاج هذه المرحلة، تحويل العجز في الميزان التجاري إلى فائض وبدء التطورّ الإقتصادي مع تحسّن المؤشرات الإقتصادية وتطوّر القطاع الصناعي، ولجم التضخمّ وزيادة التبادل التجاري مع العالم مدعومة بسعر صرف منخفض لليرة اللبنانية مُقابل الدولار الأميركي.

المرحلة الثالثة- وهي مرحلة إنشاء الصناعات الثقيلة وهي مرحلة الإنطلاق في عالم التطور الإقتصادي مع رفع الإستثمارات الإقتصادية بشكل كبير عبر تصدير الصناعات الخفيفة وإستثمار الأرباح في الصناعات الثقيلة. ويُمكن أن نتأمّل في يوم من الأيام أن تصل إحدى الشركات الصناعية اللبنانية إلى مستوى تحتل فيه المراتب الأولى عالميًا.

أهمّية هذه الخطّة في الواقع تتمثّل ببساطتها من ناحية إستبدال المنتوجات المستوردة بمنتوجات محليّة، وبالتالي القضاء على عجز الميزان التجاري، ومن ثم البدء بالتصدير

أولا منتوجات خفيفة ومن بعدها صناعات ثقيلة. الجدير ذكره أن هذه المراحل يُمكن أن تكون متوازية في الوقت أو متأخرة عن بعضها البعض.

هذه الخطّة تحوي أيضًا في طيّاتها سياسة تحفيز ضريبية وإدارية لدعم الشركات في قطاعات الصناعة التحويلية والصناعة الرقمية. وهذا ما سيدفع لبنان الذي يمتلك عناصر الإنتاج البشرية إلى إمتلاك صناعات في مجال الإلكترونيات، البتروكيماويات وغيرها.

} إستخراج النفط والتأقلم الإقتصادي }

إن إستخراج الغاز والنفط من دون أن يكون هناك ماكينة إقتصادية تواكب عصر النفط، سيكون له تداعيات سلبية على الإقتصاد. لذا من الضروري البدء بخطة النهوض الإقتصادي اليوم قبل الغد بهدف تأمين الحدّ الأدنى من المقومات التي تسمح للإقتصاد اللبناني بمواكبة إستخراج النفط.

وقد يكون النموذج الإقتصادي في الأعوام الأولى التي يتمّ فيها إستخراج الغاز والنفط هو نفسه قبل الإستخراج، إلا أن بعض التعديلات قد تفرض نفسها لاحقًا مثل دخول لبنان مجال الإستثمار في عدّة قطاعات (من خلال صندوق سيادي) بهدف تأمين مواكبة التحدّيات الإقتصادية التي يشهدها العالم.

يبقى القول إن الإستثمارات ومحاربة الفساد هي أكثر ما يحتاجه الإقتصاد اللبناني حاليًا. وإذا كان هناك من ضرورة لوضع خطّة مالية لمواجهة تحدّيات المالية العامة في هذا الظرف، إلا أن هذا الأمر لا يجب أن يمنع أو يؤجّل بدء العمل على الخطّة الإقتصادية الآنفة الذكر والتي ستسمح للبنان بتعديل هيكلي في إقتصاده يكون أهم إرث يتركه الجيل الحالي إلى الأجيال المُستقبلية.

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار