Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الحكومة العتيدة بين التشكيل والتحدّيات الاقتصادية.. احتمالات خطّة انقاذية

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

إنتهت الإستشارات النيابية أوّل من أمسّ بتكليف الرئيس «حسان دياب» تشكيل حكومة بعد أن حصد أصوات 69 نائبًا مقابل 13 لـ «نواف سلام»، صوت واحد لـ «حليمة قعقور» و42 نائبا لم يُسمّوا أحداً. وتتجه الأنظار الأن على الرئيس المُكلّف لتشكيل حكومة تُرضي الشارع، والأحزاب السياسية وفي نفس الوقت لا تستفزّ المُجتمع الدولي تفاديًا لأيّة ردّة فعل من قبل الغرب وخصوصًا الولايات المُتحدة الأميركية. على هذا الصعيد، تجري اليوم الإستشارات النيابية للرئيس المكلّف مع الكتل النيابية للوقوف على أرائها في ما يخصّ شكل الحكومة وتركيبتها.

وكان للرئيس المكلّف تصريح من القصر الجمهوري شدّد فيه على « حكومة على مستوى تطلعات اللبنانيين تحقق مطالبهم وتطمئنهم الى مستقبلهم وتنقل البلد من حالة عدم التوازن الى حالة الاستقرار عبر خطة اصلاحية واقعية تأخذ طريقها الى التنفيذ سريعاً».

الحكومة العتيدة التي نأمل بتشكيلها سريعا، ستواجه عدداً من التحدّيات المالية والإقتصادية والإجتماعية التي ستُعقّد من دون أدّنى شكّ مسار خطّة الإنقاذ التي ما زال لبنان قادراً على تطبيقها من دون مُساعدة خارجية بالضرورة.

} التحدّيات المالية }

هذه التحدّيات هي الأخطر من دون شكّ نظرا إلى التراجع الكبير في إيرادات الدوّلة والتي وصلت إلى 4

أولا- على الرغم من الحديث عن حاجة الدولة اللبنانية إلى مساعدة خارجية أو إقتطاع أموال من ودائع المودعين أو خفض سعر صرف الليرة، إلا أن هذه الطروحات تبقى غير جدّية نظرًا إلى أننا لا نمّلك صورة واضحة عن وضع المالية العامة ولا عن إلتزاماتها الفعلية خصوصًا أن قطوعات الحساب عن السنين الماضية لم يتمّ إقرارها من قبل ديوان المحاسبة وبالتالي مع فارق 16.3 مليار دولار أميركي من العام 1997 إلى العام 2017، نطرح السؤال عن مدى جدّية أي إجراء من دون صورة واضحة عن واقع المالية العامة؟

ثانيا- إستخراج جدول واضح بإستحقاقات الدوّلة بحسب التواريخ بالإضافة إلى الإيرادات ومعرفة كمّية النقص والطريقة الأمّثل لتمويل الفارق حيث يتمّ طرح كل الإحتمالات بما فيها طلب مساعدة صندوق النقد الدولي وإصدار سندات ولكن أيضًا تقديرات لما يُمكن أن تدّره على الخزينة العامة محاربة الفساد والهدر في العديد من الأماكن وعلى رأسها مؤسسة كهرباء لبنان، الجمارك، التهرب الضريبي، الأملاك البحرية والنهرية وغيرها.

ثالثا- وضع خطّة تتضمّن إجراءات لبدء خفض الدين العام مع وضع هدف أن تكون نقطة التحوّل في الخمس سنوات المقبلة. هذه الخطة يكون عمادها عمليات مالية ولكن أيضًا خطوات على صعيد الإقتصاد لرفع الميزان الأوّلي إلى مستويات تفوق خدمة الدين العام.

رابعا- البدء بمكافحة الفساد في كل إجهزة وإدارات الدولة والقضاء على العصابات التي تنهب المال العام تقريبًا في كل المرافق والمؤسسات والوزارات الخداماتية كما والقطاع العام والخدمات التي يُقدّمها. أيضًا لا يُمكن تناسي التهرّب الضريبي والذي يُشكّل 4 مليار دولار خسائر مباشرة! وهنا لا بد من التأكيد على أهمّية وقف هذا الفساد نظرا إلى التداعيات المالية على الخزينة العامة وعلى الإقتصاد والتي نُقدّرها بقيمة 10 مليار دولار سنويا.

خامسا- إعادة النظر بكلّ النظام الضريبي لوضع مزيد من العدالة الإجتماعية ورفع مداخيل الدولة من خلال الضريبة التصاعدية والتي هي نظام مُعتمد في العديد من دول العالم.

سادسا- إعادة هيكلة القطاع العام بالكامل بدءًا من مسح شامل للموارد البشرية وكل ما هو توصيف وظيفي مرورًا بإعادة توزيع هذه الموارد بشكل تعظيم الإستفادة من هذه الموارد وصولا إلى تخفيف الأعداد على المدى المتوسط إلى البعيد من خلال إعتماد المكننة وإستبدال كل ثلاثة أشخاص يصلون إلى سنّ التقاعد بموظّف جديد.

} التحدّيات الإقتصادية }

التحدي الإقتصادي الأبرز يبقى من دون أدنى شكّ تحويل الإقتصاد من إقتصاد شبه-ريعي إلى إقتصاد منتج من خلال دعم القطاعين الأوّلي والثانوي وإقرار القوانين اللازمة لهذا الأمر:

أولا- خلق مدن صناعية على الأملاك العامة وتأجيرها بأسعار ضئيلة لكل مُستثمر يُريد إنشاء مصنع وتوظيف لبنانيين مع خفض الضرائب وأعباء الضمان في الفترة الأولى. وهنا لا بد من القول أنه من الحكمة أن يعمد التجّار إلى إنشاء مصانع لكي يتمّ تصنيع منتجات مثل التي يستوردونها.

ثانيا- تأجير أراضي مشاع بهدف زراعة المنتوجات الزراعية التي يستوردها لبنان وعلى رأسها القمح بالإضافة إلى تربية الدواجن والأبقار بهدف خفض إستيراد هذه البضائع التي تُشكّل رقمًا لا يُستهان به في فاتورة الإستيراد (ما يُقارب الـ 7 مليار دولار أميركي سنويا!).

ثالثا- وضع رؤية لما ستكون عليه الصناعة التحويلية التي من المفروض أن تواكب إستخراج الغاز والنفط. ويتضمّن هذا الأمر الصناعات البتروكيماوية والخدمات التي ترافقها.

رابعا- خلق مُدن تكنولوجية تكون نقطة إلتقاء بين ثلاثة أقطاب أساسية: القطاع الخاص، الجامعات والدوّلة، وذلك بهدف تعظيم خلق الشركات التكنولوجية حيث تنبع الفكرة من الجامعات وبتمويل من القطاع الخاص على أن تواكب الدولة بتحفيزات ضريبية مع هدف خلق 1000 شركة في الأعوام الخمّسة المقبلة.

خامسا- إستكمال كل الإصلاحات المطلوبة في مؤتمر سيدر بهدف تحرير الأموال وتنفيذ مشاريع البنى التحتية والبالغ عددها 270 مشروعاً على أن يتمّ توظيف اللبنانيين بالدرجة الأولى.

} التحدّيات الإجتماعية }

التحديات الإجتماعية الأكثر خطرا على المجتمع اللبناني هو منع تفشي الجوع والفقر الناتجين عن الأزمة الحالية والتي دفعت الشركات إلى تقليص نشاطها الإقتصادي وصرف الموظّفين أو تخفيض أجرهم. هذا الأمر هو أمر حيوي ولا يُمكن تجاهله حيث أنه يُمكن للدولة اللبنانية من خلال المُساعدات التي تقدّمها إنشاء مراكز لتصنيع الأكل وتوزيعها على أن يقوم بهذا العمل الفقراء أنفسهم.

أيضًا لا بد على الدولة من إعادة النظر في نظامها الصحيّ حيث يجب رفع التغطية الصحية للشعب اللبناني من 5

ولا يجب نسيان الواقع التعليمي مع إرتفاع كلفة الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة، حيث يتوجّب مراجعة الواقع الإجتماعي للعائلات اللبنانية وهذا ما يفرض إحصاء جدّياً لهذه العائلات ومعرفة المُعطيات الحقيقية لها.

} التحدّيات البيئية }

قد تكون الأزمة الحالية التي يعبر فيها لبنان قدّ حجبت الأضواء عن المشاكل البيئية مثل ملف النفايات وتلوّث نهر الليطاني، والصرف الصحّي، والمقالع والكسّارات، وغيرها من الملفات التي يجب إيجاد حلّ لها.

في الختام، لا يسعنا القول إلا أن أمام الحكومة العتيدة الكثير من العمل ويبقى الأهمّ أن يتمّ تشكيلها في أسرع وقت بحكم أن التأخير في تشكيلها له تداعيات سلبية على الوضع المالي للدولة اللبنانية ويؤثّر سلبًا على قدرة مصرف لبنان الذي أصبح يتوّلى دفع مُستحقات الدولة اللبنانية.

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة