Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

11.5% عجز موازنة 2019 والإيرادات في الأشهر الأخيرة معدومة

مشروع مو ازنة 2020 مصير مجهول رهينة التطوّرات السياسية

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

قالها وزير المال علي حسن خليل، إيرادات الخزينة العامّة شبه معدومة وذلك منذ 17 تشرين الأول 2019! أي أن الإيرادات على مدى شهرين ونصف غير موجودة أي ما يُقارب المليارين ونصف المليار دولار أميركي تخسرها الخزينة! بمعنى أخر وبفرضية أن الإنفاق بقي على ما هو عليه، فهذا يعني أن عجز موازنة العام 2019 سيكون 11.4

وقعت الحكومة في فخّ السياسة وفشلت مرّة أخرى في إحترام إلتزاماتها أمام المجتمع الدوّلي. بالطبع البعض سيقول أن السبب يعود إلى الإحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالإيرادات، ولكن ألم يتوقّع صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الإئتماني تخطّي العجز المتوقّع في موازنة العام 2019 قبل إنطلاق الإحتجاجات؟

نعم فشلت الحكومة في تطبيق الإصلاحات التي وافقت عليها القوى السياسية في ورقة بعبدا المالية الإقتصادية، وفشلت في إستدّراك الإنتفاضة الشعبية وظنّت أن إقرار الأرقام في الموازنة كافٍ لتحقيقها.

إلتئمت لجنة المال والموازنة لمناقشة مشروع موازنة العام 2020، وإذا بها تسمع من وزير المال ما هو معروف أي أن الإيرادات أصبحت شبه معدومة. كثرت التوقّعات لمعرفة خسائر الإقتصاد والمالية العامة الناتجة عن الإحتجاجات، ولكن مُعظمها لم يلحظّ أن النشاط الإقتصادي تراجع بشكّل مُخيف منذ منذ الإنتخابات النيابية في العام 2018 مع تسعة أشهر تصريف أعمال، وأربعة أشهر لبحث موازنة العام 2019 وأربعين يومًا شلل بسبب حادثة قبرشمون وما يُقارب الشهر والنصف من الإحتجاجات الشعبية.

إستهلكت دراسة موازنة العام 2019 أكثر من 50 جلسة بين الحكومة ولجنة المال والموازنة والنتيجة المؤّلمة أن الخطأ في توقّع العجز هو أكثر من 5

بالطبع ما ذكرناه أعلاه ليس بإنتقاد للأشخاص، بل هو إنتقاد للمنهجية التي تمّ بواسطتها تحضير موازنة العام 2019 كما ومشروع موازنة العام 2020. من هذا المُنطلق، لا يُعقل الإستمرار في إستخدام هذه المنهجية خصوصًا أن عجز موازنة العام 2018 تخطّى المتوقّع، وعجز موازنة العام 2019 سيتخطّى المتوقّع ونفس الأمر سيحصل مع موازنة العام 2020.

العامل السياسي كان عنصّرًا أساسيًا في تحضير الموازنات وكانت يتمّ على أساسه توزيع النفاقات وإحتساب الإيرادات. وهذا الأمر لم ينّجح في الموازنات الماضية ولن ينّجح في الموازنات الآتية خصوصًا أن الإطار الإقتصادي، المالي، النقدي وحتى السياسي تبدّل كثيرًا منذ 17 تشرين الأول 2019.

مشروع موازنة العام 2020 والذي تمّ إقراره من قبل الحكومة (قبل إستقالتها) مع عجز 0.6

على كلٍ تصريح وزير المال أن الإيرادات شبه معدومة بعد 17 تشرين الأول 2019 يعني أن المالية العامة التي كانت أصلاً تواجه عجزًا كبيرًا، أصبحت في دائرة الخطر. ولا يُمكن الإعتقاد أن مصرف لبنان قادر إلى ما لا نهاية على تحمّل مصاريف الدوّلة. من هذا المُنطلق، نرى أن هناك ضرورة قصّوى لتحرّك سريع لمعالجة مُشكلة الإيرادات والنفاقات على أنواعها لكي يتمّ إمتصاص التداعيات المالية.

عمليًا إجتماع بعبدا المالي اليوم برئاسة فخامة الرئيس ميشال عون وحضور كل من وزير المال، وزير الإقتصاد والتجارة، وزيري الدوّلة عادل افيوني وسليم جريصاتي، حاكم مصرف لبنان، رئيس جمعية المصارف، رئيس لجنة الرقابة على المصارف ومستشار الرئيس الحريري، يهدف إلى دراسة الأوضاع المالية وأخذ الإجراءات التي ستُخفّف من وطأة المُشكلة. وبإعتقادنا سيتمّ التركيز أكثر على موضوع الدولار الذي يتمّ التداول به في سوق الصيارفة على أسعار تتخطّى بأشواط السعر الرسمي، وذلك بهدف إيجاد إجراءات لتخفيف نقمة الناس.

النقطة الأساسية التي نتمّنى أن يتمّ بحثها في هذا الإجتماع هو كيفية تدّعيم إيرادات الدوّلة في الأشهر المقبلة وخفض الإنفاق إلى مستوياته الدنيا بهدف إحتواء العجز الذي أصبح كتّلة جمرّ بين أيدي السلطة السياسية.

الإجراءات التي نتحدّث عنها تطال بشكل أساسي تحسين إيرادات الدوّلة من خلال وقف التهريب الجمّركي الذي يبقى علّة أساسية، وإعادة تقييم بدل إشغال الأملاك البحرية والنهرية وسكك الحديد، ووقف نزف الكهرباء… وغيرها من الإجراءات التي أصبحت معروفة من الجميع.

هذه الإجراءات لا يجب أن تُغطّي الفراغ الحكومي الذي يبقى بدون أدّنى شكّ السبب الأساسي لحالة الهلع وغياب الثقة التي تجتاح الشارع وتُترّجم بسحب غير مسبوق للودائع من المصارف وتقليص حجم الأعمال وصرف موظّفين.

من هذا المُنطلق، نرى الإستمرار في الفراغ الحكومي سيكون له تداعيات كارثية على الإقتصاد وعلى المالية العامّة. ولا تقتصر التداعيات على ذلك، بل تمتدّ إلى الشق الأمني العدوّ الأول للإستثمارات، إضافة إلى فقدان ثقة الأسواق العالمية بلبنان وإستحالة الإستدانة في الأسواق العالمية لمواجهة الإستحقاقات المالية.

في الختام لا يسعنا القول إلا أن إستمرار الأزمة إلى ما بعد رأس السنة يعني أن لبنان لن يكون بعيدًا عن طلب الوصاية الصندوقية التي ستزيد من الإمتعاض الشعبي وتُعدّل في نمط حياة اللبنانيين بشكل سلبي.

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة