Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

تأكيداً على استقرار السياسات المعتمدة، معظم المصارف المراسلة تعتزم توسيع أعمالها مع لبنان

في سياق التطمينات التي أعلنها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن لتجنيب لبنان والقطاع المصرفي فيه تداعيات العقوبات المالية التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية على حزب الله، كان لافتاً تأكيده بوضوح خلال مشاركته في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، أنه «عقد اجتماعات مع معظم المصارف المراسلة التي تتعامل مع المصارف اللبنانية، وأنه لم يتلق أي تحفظ أو تغيير في موقفها، لا بل إن بعضها يعتزم توسيع أشغاله في لبنان، وهذا ما يؤكد الاستقرار في السياسات المعتمدة ومتابعة الأعمال على نحو طبيعي».كلام سلامة يجعل البحث في ماهية العلاقة التي تربط بين المصارف المحلية والمصارف المراسلة لأي بلد، أمراً مشروعاً في ظل تداخل الصراعات السياسية مع المصالح الاقتصادية بين دول العالم، وتأثيرها على العلاقات المالية والمصرفية التي نشهد لها نماذج عدة، لذلك من المفيد إلقاء الضوء على مستقبل العمل بين المصارف المحلية والمراسلة، وإلى أين تتجه هذه العلاقة التي تكتنفها حسابات سياسية لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها. د. عجاقة: المصارف المراسلة هي النافذة المالية لأي بلدفي لبنان لا بد من الإنطلاق من قاعدة ثابتة وهي أن القطاع المصرفي اللبناني إتخذ كل التدابير اللازمة، للحفاظ على علاقاته مع البنوك المراسلة وعدم تعريض هذه العلاقات لأي مخاطر، وقد لاقاه مصرف لبنان في هذه الخطوة من خلال تعاميمه التي ساهمت في حماية القطاع المصرفي اللبناني، من الآثار السلبية المترتبة على قطع العلاقات مع هذه البنوك، هذه القاعدة تقود إلى تحديد دور المصارف المراسلة في أي بلد ومنها لبنان، وهذا ما يشرحه الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة بالقول: «المصارف المراسلة هي عبارة عن مصارف أجنبية يتمّ فتح حسابات فيها لصالح المصارف المحلّية، هذه الحسابات لها دور أساسي في التجارة بين البلد المحلّي والدول الأخرى حيث إن كل العمليات التجارية يتمّ دفعها وبشكل حصري من هذه الحسابات، وأيضاً تُستخدم هذه الحسابات لتغذية الحسابات التي تمتلكها المصارف المحلّية لدى شركات البورصة والأسواق المالية، وبالتالي تُشكّل هذه الحسابات النافذة المالية والإقتصادية للبلد المحلّي».

ويضيف: «عندما نتكلّم عن مصرف مراسل، فهذا يعني أن عملاءه موجودون بالدرجة الأولى خارج البلد، لكن قد يكون هناك عملاء محليون إذا ما كان هناك صعوبات بفتح حسابات لدى مراسلين أجانب، في المبدأ أي مصرف يُمكن أن يكون مصرفاً مراسلاً لكن إذا لم يكن هناك إلتزام بشروط مُعيّنة فإن هذا المصرف لن يكون له عملاء. من هذه الشروط نذكر الأكثر أهمّية، وهي أن يكون بلد المصرف غير مُصنّف في بلد ذي مخاطر عالية كذلك الأمر بالنسبة للمصرف المراسل، فالتعامل مع هذا النوع من المصارف يزيد من المخاطر على المصرف العميل وبالتالي تزيد الكلفة المالية، وأن يكون رأسمال المصرف عالياً بشكل يسمح بإمتصاص الخسائر إذا حصلت، وأن يُطبّق المصرف القوانين الدولية في ما يخصّ محاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ومحاربة التهرّب الضريبي».

سروع: العلاقة بين المصارف المحلية والمراسلة يحكمها مدى الفائدة على الطرفين يشرح الخبير المصرفي جو سروع دور المصارف المراسلة من زاوية أخرى فيقول: «هي البنوك التي تلجأ إليها المصارف في أي دولة في العالم لإرسال تحويلاتها ومعاملاتها المالية وعملاتها المحلية والوطنية لتحويلها إلى عملة المصرف المراسل، بمعنى آخر كل معاملة مصرفية ترسل من بلد إلى آخر يجب أن تمر عبر المصرف المراسل في البلاد التي يتم تحويل الأموال إليها (ففي الولايات المتحدة يجب أن تتفق المصارف اللبنانية مع مصارف أميركية لتحويل المعاملات التي يتم إرسالها من لبنان إلى الولايات المتحدة عبرها). وهذا الأمر يدخل ضمن نظام التحويل والقبض والدفع العالمي، وشروط هذا التحويل هو أن يكون هناك علاقة تعاقد بين المصرف المحلي والمصرف المراسل، وهناك نوعان من التعاقد، التعاقد لفتح حسابات وهناك التعاقد الذي يلبي متطلبات نظام العقوبات العالمي، لأن التقيد بنظام العقوبات لا يقتصر فقط على المصارف المحلية لبلد معين بل أيضاً على المصارف العالمية والأمثلة لهذا الأمر عديدة، لأن وزارة الخزانة الأميركية فرضت قواعد التقيد بالعقوبات على الطرفين، وإلا فالغرامات ستكون بمليارات الدولارات، وأبرز الأمثلة الغرامة التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على مصرف HSBC، والتي ألزمته بدفع مبالغ طائلة».

ويضيف: «العلاقة بين المصارف المحلية والمصارف المراسلة يحكمها أمران، الأول مدى فائدة وجدوى هذه العلاقة على الطرفين، والأمر الثاني أن المصرف المحلي منتظم تماماً في التقيد بالأنظمة المالية العالمية وكل الأصول والقوانين المالية المحلية والعالمية الصادرة، أي قوانين مكافحة تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب وتمويله، وحتى لو كان هذا البلد أو المصرف متقيداً تماماً بالقوانين لكن المردود المالي غير مجدٍ بالنسبة للمصرف المراسل، فبإمكانه إقفال الحسابات من دون أن يكون لدى المصارف المراسلة دليل لمخالفة القواعد والقوانين، ولذلك هذه العلاقة يجب أن تكون مفيدة للطرفين والتقيد بكل القوانين المالية العالمية، وعدم التقيد بهذه الأنظمة يعطي أثراً سيئاً على المصارف المحلية، أما الرقابة على مدى التقيد بهذه الأنظمة فلا تتم فقط من خلال القوانين وتطبيقها، بل أيضاً من خلال الأنظمة والبنية التحتية التي يستعملها المصرف المحلي للتقيد بالأنظمة المالية العالمية، بمعنى آخر يحق للبنك المراسل الاطلاع على البنية التحتية للمصارف المحلية، وكيفية تدريبه للكادر الوظيفي لديه لتطبيق هذه الأنظمة، للتيقن بأن المصرف المحلي المحدد ليس لديه فقط النية بتطبيق القوانين بل أيضاً لديه القدرة التكنولوجية والبشرية للإلتزام التام بالقوانين».

خريطة المصارف المراسلة عالمياً ما يمكن إستنتاجه مما سبق أن العلاقات مع البنوك المراسلة العالمية تضطلع بدور مهم في اقتصادات الدول الناشئة والنامية، لأنها تشكل القناة التي يمكن من خلالها الحصول على الخدمات والمنتجات المالية العالمية وإجراء التحويلات عبر الحدود، لذلك يصبح السؤال مشروعاً عن توزع المصارف المراسلة عالميا؟، يجيب عجاقة: «كل البلدان التي فيها ثقل إقتصادي يوجد فيها مصارف مراسلة وعلى رأسها القوى الإقتصادية الكبرى مثل الولايات المُتحدة الأميركية، بريطانيا، أوروبا، الصين، اليابان كما أن بعض البلدان تحوي ثقلاً مالياً كبيراً مثل الولايات المُتحدة الأميركية، وبريطانيا مما يجعل المصارف المراسلة تتركّز بالدرجة الأولى في هذه البلدان، أيضاً بحكم أن الدولار الأميركي هو عملة التبادل التجاري، فإن مُعظم العمليات التجارية العالمية تتطلّب مصرفاً مراسلاً في الولايات المُتحدة الأميركية».

ويضيف: «شروط التعامل مع المصارف المراسلة تخضع لقيود من السلطات الرقابية، فمثلاً في لبنان، لا تسمح لجنة الرقابة على المصارف أو هيئة الأسواق المالية للمصارف أو الشركات المالية بالتعامل مع مراسلين لا يستوفون عدداً من الشروط منها حجم المصرف، الصحّة المالية، التصنيف الإئتماني، والأهم بلد المصرف. في الواقع الشرق الأوسط وبلدان العالم الثالث تتمتّع بتصنيف إئتماني مُنخفض مما يدفع مُعظم المصارف المراسلة إلى رفض التعامل مع مصارف هذه الدول. هذا الأمر يأتي من تخفيض التصنيف الإئتماني للمصرف المراسل في حال تعامل مع مصرف ذي تصنيف مُنخفض مما يزيد كلفة الإقتراض، وبما أن العالم يعيش في حال من المُنافسة الدائمة، لذا فإن هذه المصارف تتخلّى عن التعامل أو الإستثمار في مصارف محلية في هذه البلدان، كما حصل مع بعض المصارف اللبنانية. في حال لبنان، يبقى القطاع المصرفي اللبناني محلّ ثقة المصارف المراسلة بحكم رأس المال العالي لهذه المصارف، السيولة المُرتفعة والتزامها بالقوانين الدولية، كما أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يُمسك بيدٍ من حديد بالقطاع المصرفي وهذا ما يُعطي ثقة إضافية نظراً للمصداقية العالية التي يتمتّع بها سلامة على الصعيد العالمي».

التقييم إذاً العلاقة بين المصارف المراسلة والمصارف المحلية، تستلزم شبكة علاقات متبادلة لتقديم خدمات تحويل الأموال، وتمويل التجارة الخارجية والاعتمادات المستندية وغيرها من الخدمات المالية الأخرى، لصالح عملاء محليين أو أنشطة المصرف المحلي الاستثمارية الدولية، ومما لا شك فيه أن هذه العلاقات تخضع لتقييم دوري من قبل البنوك المراسلة العالمية يدفعها أحياناً إلى إتخاذ إجراءات لتخفيف الأخطار، تتراوح بين تقليص الخدمات والمنتجات المقدمة لعدد من البنوك المحلية، وقد تصل إلى حد إغلاق حساباتها والتوقف عن التعامل معها، وهذا ما بتنا نراه في السنوات الأخيرة نتيجة تعرض البنوك المراسلة العالمية للمخالفات والغرامات المالية من قبل السلطات الإشرافية في دولها، ويشرح سروع هذا الأمر بالقول: «التقييم يتم من خلال الزيارات المتبادلة والتواصل اليومي الذي يحصل بين الطرفين، كما أن الثقة بالمصارف المركزية بأنها تلتزم تماماً بالقوانين العالمية تسهل على العلاقة بين المصرف المحلي والمصرف المراسل، ولا يمكن لأي بلد أن تكون عملياته المصرفية سليمة عالمية إلا إذا كان ممتثلاً للقوانين المالية والمصرفية العالمية».

يضيف: «هناك قوانين عالمية وهناك قوانين محلية، وليس مطلوباً من المصرف الممتثل أن يذهب أبعد مما تنص عليه القوانين، وخصوصاً في ما يتعلق بالقوانين الدولية التي غالباً ما يشوبها الغموض حول كيفية تطبيقها، لأن كل قانون يجب أن يصدر إلى جانبه توضيحات حول كيفية تطبيقه، وخصوصاً إذا كانت هذه العقوبات تطال أشخاصاً أو جهات معنية وليس دولاً فقط، فهذه القوانين عادة ما تصدر بقدر لا بأس به من عدم الوضوح ويجب التعامل معها بقدر ما تطلب الدولة المصدرة للقانون من إجراءات، من دون الإجتهاد في التفسير أو إقتطاع قسم من القانون وتعميمه على كل العالم، وهذا هو الشرط الأساسي فالقوانين الموجهة ضد جهات وأشخاص غالباً ما تخلق نوعاً من الرعب والخوف مما يخلق جدلاً بين الجهات المعنية. ولذلك حين يكون هناك قانون عقوبات غير واضح يجب على المصارف المحلية طلب إيضاحه، ومن الضروري أن لا يخلق جدلاً بين الجهة المستهدفة من قوانين العقوبات وبين السلطات النقدية المحلية والتشريعة في البلد، الفرق بين العقوبات على إيران والسودان مثلاً أن العقوبات تطال الحكم والأشخاص في حين أن العقوبات على حزب الله في لبنان، تطال أشخاصاً وهذه عملية معقدة، لذلك علينا عدم التطوع بتطبيق قوانين غير واضحة في العقوبات التي سنطبقها ونطلب إيضاحها من الجهات المعنية».

ويتابع: «البنوك المراسلة هي بنوك عادية لكن طريقة تحويل الأموال يجب أن تكون بالعملات الصعبة، وهذا لا يتم إلا في المصارف الوسيطة الموجودة في هذا البلد، وهي من الأمور الأساسية لتبادل التحويلات بين المصارف والدول، بمعنى آخر المصارف المراسلة ليست مصارف متخصصة بل هي جزء أساسي من نظام الدفع العالمي، وأهمية الإمتثال بين المصرف المراسل والمرسل له إكتسب أهمية كبيرة منذ أول عقوبة مالية إستطاعت وزارة الخزانة الأميركية فرضها على مصرف جيفري مارغون في العام 2013، فكانت خطوة لكسر حاجز الخوف والحذر بين وزارة الخزانة الأميركية والمصارف الكبرى في العالم، حيث أُرغم مصرف مارغون على سداد غرامة قياسية تقدر بنحو 13 مليار دولار أمريكي لتسوية تحقيقات بشأن أنشطته في مجال الرهن العقاري، وهذه كانت نقطة التحول الأساسية في التشدد بهذه العقوبات».

رابط إتحاد المصارف

Print Friendly, PDF & Email