Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

لا خوف على الودائع ولا على الليرة.. «المركزي» يُحكم سيطرته

إستمرار الأزمة يُكبّد الخزينة خسائر ويُنّذر بالأسوأ

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

ثلاثة عشر يومًا على بدء الأزمة وما تزال الإحتجاجات الشعبية تلف لبنان من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. هذا الضغط الشعبي فرض معادلات جديدة في اللعبة السياسية خصوصًا على صعيد الحوكمة الرشيدة، لكن فرض في نفس الوقت تداعيات على صعيد المالية العامّة والإقتصاد.

في تصريح له لوكالة «رويترز»، قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن لبنان يحتاج حلاً خلال أيام لإستعادة الثقة بالإقتصاد وتفادي الإنهيار في المُستقبل. وأضاف أن مصرف لبنان سيُحافظ على ربط العملة المحلّية بالدولار وأن لديه الوسائل لذلك.

هذا التصريح من قبل سلامة له منحيين: الأول صعوبة الإستمرار في الوضع الحالي الناتج عن الأزمة السياسية والإحتجاجات الشعبية، والثاني له علاقة بالشائعات التي تجوب وسائل التواصــل الإجتــماعي مـنُذرة بأزمة نقدية.

إستمرار الأزمة الحالية ووقف النشاط الإقتصادي له تداعيات كارثية على الإقتصاد وعلى المالية العامّة. فقد أدّت الإحتجاجات إلى شلّ الحركة الإقتصادية بشكل شبه كامل وأقفل العديد من المحال التجارية والشركات والصروح التعليمية… وهذا يعني أن المدخول الوطني إنخفض بحجم هذا الإقفال مع تقديرات بخسائر يومية تصل إلى 214 مليون دولار أميركي! هذا الأمر يعني أن الناتج المحلّي الإجمالي في نهاية العام سيقلّ بعدّد أيام الشلل والتي بلغت حتى اليوم 8 أيام (من دون السبت والأحد). بمعنى آخر كل يوم شلل يؤدّي إلى خسارة 0.

التداعيات لا تقف عند هذا الحدّ، بل أن خزينة الدوّلة تتأثر بشكلّ مباشر. فـ 14.

وكأن هذا لا يكفي، أخذت سندات الخزينة بالتراجع بنسبة كبيرة تخطّت الـ 1

الشق الثاني في حديث سلامة يتعلّق بالليرة اللبنانية وبالقطاع المصرفي. فقد تناقلت مواقع التواصل الإجتماعي أخبار عن أن سعر الدولار سيرتفع عند فتح المصارف أبوابها. لكن هذا الشائعات لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة من ناحية أن إحتياطي مصرف لبنان قادر على الدفاع عن الليرة وهو ما زال على مستواياته أي 38.6 مليار دولار أميركي. أيضًا مُعظم الودائع هي ودائع مُجمّدة وبالتالي فإن الطلب على الدولار لن يكون موجود أصلاً، أضف إلى ذلك واقع أن المصارف لن تفتح أبوابها إلا بعد إنتهاء الأزمة الحالية. لذلك ومن هذا المُنطلق صرّح سلامة أن ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي ما زال مُستمرًا وهو يتمتّع بالوسائل اللازمة للدفاع عنها.

أيضًا تمّ تناقل معلومات عن تهافت الناس على المصارف لسحب ودائعها وأنه سيكون هناك قيود على هذا السحب. هذا الأمر أثار الخوف لدى الموديعن وخلق جوّاً من الذعر لديهم، وهذا أمر طبيعي في ظلّ تحكمّ الشائعات في الأسواق نظرًا للفوضى الحاصلة نتيجة الأزمة الحالية. في الواقع، هذه الشائعات لها خلفياتها السياسية، والحقيقة على الأرض أن القطاع المصرفي لديه ملاءة تفوق متُطلّبات معيار بازل 3 وبالتالي لا مخاوف على من يريد سحب أمواله. أضف إلى ذلك رغبة سلامة الواضحة في الحفاظ على ميزة أساسية في القطاع المصرفي اللبناني، ألا وهي حرّية تنقّل رؤوس الأموال.

مع كل ما تقدّم، نرى أن الخلافات السياسية والأزمة الحالية ومحاولة السياسة إستخدام القطاع المصرفي كساحة للمواجهة بأت بالفشال حيث تبقى الودائع أمينة والليرة اللبنانية مُستقرة.

على صعيد آخر، يستمرّ بعض التجّار الذين يُتاجرون بالوطن بمحاولة تهريب الدولارات إلى بلدان إقليمية أخرى. فقد إتخذ النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات قرارًا بمنع عمليات إخراج الدولارات النقدية دفعة واحدة في حقائب صيارفة وتجّار عبر مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية. هذا القرار الذي تمّ إتخاذه بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يفرض إعتماد آلية يُحدّدها مصرف لبنان وتُطبّقها الجمارك وذلك بعد أن تمّ رصد خروج مليون وثلاث مائة ألف دولار أميركي عبر الحدود كل 48 ساعة!

على كل الأحوال، هذا القرار الصائب، يسمح للسلطات النقدية بوضع ضوابط عادلة ومنطقية على خروج رؤوس الأموال من لبنان من دون التخلّي عن مبدأ حرية تنـقل رؤوس الأموال خصوصًا أن الأموال التي تمّ رصدها هي أموال نقدية تمّ إخراجها بواسطة حقائب صيارفة!

يبقى القول أن على المسؤولين السياسيين أخذ الإجراءات اللازمة لإنهاء الأزمــة الحاليــة نظرًا إلى الفوضــى التــي تنشرها إجتماعيًا، سياسيًا، إقتصـاديًا، ماليًا ونقديًا.

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة