Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

على خط “السرفيس” في بيروت… لو يعود “ترام واي” لبنان!

مارسل محمد

اعتدنا القول عن سيارات الأجرة “السرفيس” أو الباص في لبنان أنّها نقل عام. لكن الحكومة تملك فعليا 1 في المئة فقط من النقل العام، والنسبة الغالبة يملكها أفراد أو مجموعة من الأفراد تتحكم بالأسعار والخدمة التي توفرها. تكتظ بيروت بأنواع متفاوتة من آليات نقل الركاب لا تخضغ لرقابة الدولة، ولا قوانين تنظمها. فالباب أحياناً ليس من أولويات صاحب “الفان”، والسرعة ضرورية لاجتياز إشارات السير. أما التعرفة، فتخضع لمزاج السائق، أو تُحدد وفقا لتسعيرة متعارف عليها قد لا تكون كافية حتى للوقود. 

للتعرّف الى التكاليف التي يتكبدها اللبناني خلال تنقلّه على الأراضي اللبنانية، استطلعت “النهار” آراء عينة من 5 أفراد يتنقلون يومياً إلى عملهم أو جامعاتهم عبر “السرفيس” أو الباص من مناطق عدة.

النقل من خارج بيروت وداخلها

دانيال غانم الذي يسكن في منطقة عاليه الجبلية، ينزل يومياً إلى العاصمة بيروت للعمل، ويستقل الباص من سوق عاليه التجارية إلى منطقة الصياد عند مدخل بيروت، ثم “السرفيس” للوصول إلى عمله في سن الفيل. تبلغ تعرفة الباص 2000 ل.ل، والسرفيس 2000 ل.ل أيضاً، أي أنّه يحتاج إلى 8000 ل.ل يومياً. تسكن مايا جواد في مدينة صيدا، وتأتي إلى بيروت يومياً لارتياد الجامعة. تستقل الباص من ساحة النجمة في صيدا إلى الكولا – بيروت. وتبلغ تعرفة الباص الصغير “الفان” 2000 ليرة، أي أنها تحتاج إلى 4000 ل.ل يومياً. لكن اللافت، على ما ذكرت مايا، أنّ أصحاب الفانات في صيدا يشترطون على الركاب خلال فترة الليل تعرفة 3000 بدلا من 2000، لأنهم يعتبرون أنهم سيعودون على الارجح إلى صيدا بنسبة قليلة من الركاب. تقول غرة إنها تدفع يومياً 8000 ل.ل للوصول من منطقة صيدا إلى بيروت والرجوع إلى المنزل، إذ تبلغ تعرفة الفان 4000 ل.ل من ساحة النور في طرابلس إلى موقف الكولا في بيروت. من جهته، يفيد يحيى الذي يسكن في الجديدة أنّه يدفع 8000 ل.ل يومياً للوصول إلى عمله، إذ أنّه يستقل “سرفيس” من منزله في الجديدة إلى الدورة، ومن ثم يستقل آخر للوصول إلى وسط بيروت. أما ندى التي تسكن في الضاحية الجنوبية لبيروت فتدفع يومياً 2000 ل.ل، إذ تبلغ تعرفة “الفان” من منزلها إلى مكان عملها في وسط بيروت 1000 ل.ل. وتشكو من سرعة قيادة السائقين، خصوصاً مساء، حين يكونون متلهفين الى العودة إلى منازلهم بعد يومٍ متعب. في عملية حسابية صغيرة، إذا افترضنا أنّ كل الأشخاص المذكورين أعلاه يتنقلون إلى عملهم وجامعاتهم 5 أيام أسبوعياً، واحتسبنا الشهر على أربعة أسابيع، نرى أنّ دانيال ويحيى وغرة يتكلفون 40,000 ل.ل أسبوعياً و160,000 ل.ل شهرياً، في حين تدفع مايا 20,000 ل.ل أسبوعياً و80,000 ل.ل شهرياً، وندى 10,000 ل.ل أسبوعياً و50,000 ل.ل شهرياً. “الترام واي” الحل المناسبوفي هذا الإطار، اعتبر الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أنّ كلفة النقل زهيدة، فيما تأثيرها كبير على الاقتصاد اللبناني. وهذه المعضلة تتطلب خطة جريئة من الدولة. ولاحظ أنّ “السيارات في بيروت مشكلة كبيرة يمكن الاستفادة منها عبر تأمين نقل عام منظم، وفرض غرامات مالية بسيطة على السيارات التي تدخل العاصمة يومياً”. في لندن على سبيل المثال، اعتمدت الحكومة البريطانية خطة ناجحة لتخفيف زحمة السير في العاصمة تحديداً، وتشجيع الأفراد على استخدام النقل العام، إذ فُرضت غرامة مالية بقيمة 2 جنيه استرليني تدفعها السيارات يومياً عند دخولها العاصمة. ولفت عجاقة إلى أنّه من الممكن أيضاً دعم الاقتصاد اللبناني عبر هذه الغرامة البسيطة، مشدداً على أنّ الحل يبدأ بتأمين نقل عام بتعرفة مقبولة وخدمة مريحة. ورأى أنّ “الترام واي” هو الحل المناسب في بيروت تحديداً. وتكمن أهميته في المحطات المعروفة التي يتوقف عندها. وتكلفته أقل من تكلفة المترو على سبيل المثال، والذي يحتاج أيضاً إلى أشغال كبيرة عبر حفر الأرض، والتي ليست ممكنة في مناطق معينة من بيروت.موقع ليبانون ان اي بيكتشر. 3 حلولمن جهته، وافق رئيس الرابطة العالمية للاقتصاد في لبنان عميد كلية إدارة الأعمال والاقتصاد في جامعة الحكمة البروفسير روك- أنطوان مهنا على رأي عجاقة لجهة اعتبار مشروع “الترام واي” الحل المناسب للنقل العام في لبنان، معتبرا أنّ تمويل هذا المشروع ممكن عبر هبات أو عبر قروض من البنك الدولي.تركيبة لبنان الإدارية والسكانية لم تعد تُناسب التطوّر التكنولوجي والمشاكل التي يتسبب بها. فالكثافة السكانية المرتفعة في بيروت وضواحيها، والتي تصل إلى 82 في المئة من إجمالي سكان البلاد، إضافة إلى حصر الإدارات الحكومية في العاصمة ونقص المواقف وضيق المساحات، تسبب يومياً زحمة سير خانقة تُكلّف الاقتصاد اللبناني نحو ملياريْ دولار سنوياً. ونظراً الى أنّ النقل العام مشارك في تضخيم أزمة السير، ما الحلول المطروحة لتأمين راحة المتنقلين وتقليل التلوّث أيضاً؟…

خطة

عن الحلول ايضا، تكلم المدير العام لمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك زياد نصر لـ”النهار”، ومنها خطة المؤسسة التي أطلقها وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، وهي منظومة نموذجية للنقل العام عبر مشروع مسارات مخصصة حصراً للنقل المشترك من خلال استحداث مسارات غير الطرق العامة. وقال: “يتم العمل على دراسة مفصلة للخطة من البناء، وصولاً إلى التشغيل، أكان من جهة عدد المحطات أم المناطق التي ستُبنى عليها”. وكشف عن وعودٍ لإيجاد طرق لتمويل المشروع، معتبراً أنّه من واجب الحكومة تأمينه، اكان من ميزانيتها الخاصة، أم عبر هبات من جهات مانحة. وأعرب عن تفاؤله بتنفيذ المشروع وحلّ أزمة السير. لسنوات عدة، كنا نظن أنّ المشاكل تتركز على غياب دراسات لتنظيم السير في لبنان. أما اليوم، وبعد المشاريع المتنوعة والحلول الكثيرة، هل تعود البلاد إلى أيامها الجميلة، وتُعيد إحياء “الترام واي” وغيره من الآليات التي تعمل على سكك الحديد، بما يضمن راحة المواطن وسلامته، ولو في قطاعٍ واحد؟

Print Friendly, PDF & Email