Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

مليونا شخص في الشوارع... فهل تنّجح ورقة الحريري؟

800 مليار دولار الأموال المنهوبة والاتحاد الأوروبي والخزانة الأميركية تعتبرها جريمة

الديار

نترك للبروفسور جاسم عجاقة ان يكتب مقاله لكن نأخذ من افتتاحية واشنطن بوست الأميركية العبارات التي كتبتها فقالت ان الأموال المنهوبة في لبنان هي 800 مليار دولار كذلك ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال اهم صحيفة أميركية ان وزارة الخزانة الأميركية تقدر الرقم بـ800 مليار دولار والاثنتان قالت انها اكبر جريمة ارتكبت بحق شعب لبنان من 9

بروفسور جاسم عجاقة

أكثر من مليوني لبناني تظاهروا البارحة في شوارع لبنان مُطالبين السلطة السياسية بكلّ مكوناتها بالإستقالة. هذه التظاهرات التي عمّت شوارع لبنان من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، لم تشهد أي إشكال أمّني يُذكر.

رسميًا وبالإرقام، نصف الشعب اللبناني كان يتظاهر ضدّ حكامه، وعلى الرغم من ذلك لم تستقل الحكومة، وحدهم وزراء القوّات اللبنانية إستقالوا (بغض النظرّ عن الدوافع). وفي بلد ديموقراطي هذا الأمر هو سحب للوكالة التي أعطاها الشعب للمسؤولين، إلا أن الديموقراطية في لبنان هي ديموقراطية مُشوّهة ولا وجود للحرّية فيه إذا لم يتمّ فصل سلطة القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية (جون لوك في كتابه مُعاهدة الحكم المدني-( 1690 !

الثقة بين الشعب اللبناني والسلطة السياسية شبه معدومة، والسبب يعود إلى تفشّي الفساد والمحسوبيات والتدخّل الخارجي في الشؤون اللبنانية. هذه الثقة هي السبب الرئيسي لثورة اللبنانيين اليوم وليس ضريبة الـ 0.2 دولار أميركي على الوتساب! نعم الشعب اللبناني محروم من كل مُتطلبات الحدّ الأدّنى للعيش الكريم. فلا كهرباء ولا ماء والنفايات تملأ الشوارع وبعض اللبنانيين يموتون على أبواب المستشفيات، أَضف إلى ذلك الساعات اليومية التي يقضيها اللبناني على الطرقات نتيجة حالة الطرقات وغياب وسائل النقل! عن أي خدمات عامّة نتحدّث واللبناني يبيع أرضه لتعليم أولاده وفي النهاية يُهاجر الشباب اللبناني بحثًا عن فرصة عمل في الخليج أو أوروبا أو أميركا؟

إنه لعار على الدوّلة اللبنانية أن يتمّ صرف مليارات الدولارات على صناديق وجمّعيات وتجهيزات وسفر وغيرها من الحجج الوهمية وهناك أكثر من ثلث الشعب اللبناني يرزح تحت الفقر!

أين الفكر اللبناني المُبدّع الذي يفهم بكل شيء؟ أهكذا تُدار الدوّل؟ نقولها بالفم الملآن: كل سياسة إقتصادية لا يكون محورها المواطن هي سياسة فاشلة وستؤدّي إلى ما نشهده حاليًا أي ثورة شعب جائع!

لقد فشلت السياسة المُتبعة من قبل القوى السياسية في تأمين العيش الكريم للبناني ويكفي الإستماع إلى تصاريح المُتظاهرين على شاشات التلفزة لمعرفة أن السبب الأول والأخير لهذه الثورة هو غياب العدالة الإجتماعية وتركيز الثروات لدى أصحاب النفوذ.

ردّ القوى السياسية وورقة الحريري

الحريري الذي أعطى مُهلة 72 ساعة تنتهي مساء اليوم، للردّ على ورقته الإصلاحية التي طرحها، إلتقى القوى السياسية المُشاركة في الحكومة اللبنانية بإستثناء القوات اللبنانية التي أعلنت إستقالة وزرائها بسبب الوضع الحالي وبسبب عدم الأخذ بإقتراحاتهم الإصلاحية التي طرحوها سابقًا. أمّا الإشتراكي الذي إشترط على الرئيس الحريري تطبيق ورقة إصلاحية قدّمها له، هدّد بالإستقالة في حال لم يتمّ الأخذ بهذه الإصلاحات.

حزب الله من جهته وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، فرض عدد من الـ «محرّمات» منها عدم إسقاط العهد وعدم إستقالة الحكومة، وحذّر السيد نصر الله من أن نزوله إلى الشارع سيُعدّل في المشهد كاملاً. أمّا التيار الوطني الحرّ، فهو في تنسيق كامل مع الرئيس الحريري.

الأراء حول موقف السياسيين تضاربت، فمنها من يقول أن هناك إستحالة التخّلي عن زمام السلطة وبالتالي قدّ يكون السيناريو الأكثر إحتمالاً في حال لم تنته المظاهرات اليوم، هو إنزال شارع مُضاد وبالتالي خلق إشكاليات أمّنية يُطلب على أثرها من الجيش اللبناني إستلام زمام الأمور وحظر التجوّل في عدد من المناطق. وبالتالي تكون طريقة لوقف التظاهرات التي هزّت عرش القوى السياسية!

أيضًا من بين الأراء، القول أن هذه التظاهرات دفعت بالقوى السياسية إلى إعادة حساباتها وقبلت ضمّنيًا التخلّي عن بعض الإمتيازات التي تمتلكها ومن هنا أتت ورقة الرئيس الحريري ليكون عنوانها الأوّل «غياب أي ضريبة على المواطن».

على كل الأحوال، الثنائي الشيعي كان من أكثر القارئين للمستقبل حين ثذم الوزير علي حسن خليل مشروع موازنة العام 2020 من دون أية ضرائب وأصرّ على أن هذه الموازنة هي من دون ضرائب. كما أن حزب الله ومنذ اليوم الأول صرّح أنه لن يقبل بأية ضرائب على ذوي الدخل المحدود.

من هذا المُنطلق تأتي ورقة الرئيس الحريري الإصلاحية لتُشكّل مخرجًا للسلطة السياسية التي تعيش أزمة شرعية تحت وطأة مظاهرة مليونية ضدّ سياستها وضدّ الفساد المُستشري. على كل الإجتماع المتوقّع لمجلس الوزراء اليوم في قصر بعبدا، سيأتي بالعديد من الأجوبة.

ورقة إيجابية

ورقة الحريري الإصلاحية، إحتوت على 24 نقطة إصلاحية بحسب الورقة التي تمّ تداولها والتي تُعتبر بصيغة غير نهائية حيث نعتقد أنه تمّ تسريبها لدسّ ردّة فعل المتظاهرين عليها. الورقة التي بحثها الحريري مع القوى السياسية، تمّ تصنيفها على أنها تحوي «خطوات نوعية غير مسبوقة»: خفض جميع رواتب الوزراء والنواب 5

كما سبق وذكرنا أعلاه هذه الورقة ليست بصيغتها النهائية، إلا أنه من الظاهر أنها توفّر على خزينة الدوّلة ملايين الدولارات وهي كفيلة إذا ما تمّ إضافة محاربة التهريب الجمّركي والتهرّب الضريبي، إعادة تقييم بدل إشغال الأملاك البحرية والنهّرية، محاربة الإحتكارات، كفيلة بتسجيل فائض في خزينة الدوّلة في حلول نهاية العام 2020! لكن كما سبق الذكر، العبرة في التطبيق ولا ثقة جدّية لدى الشعب من قدّرة هذه الحكومة على الإلتزام بها كما سبق وحصل مع ورقة بعبدا المالية الإقتصادية!

تقديراتنا الأوّلية لحجم التوفير من جرّاء ورقة الرئيس الحريري تفوق الملياري دولار أميركي وإذا ما تمّ ضمّ إضافة محاربة التهريب الجمّركي والتهرّب الضريبي، إعادة تقييم بدل إشغال الأملاك البحرية والنهّرية، فإن هذا الرقم قد يصل إلى أكثر من أربعة مليارات دولار أميركي في نهاية العام 2020!

إغضاب المؤسسات الدوّلية؟

ورقة الحريري (كما تمّ تسريبها)، تحوي على بند قد يُغضب المؤسسات الدوّلية وعلى رأسها صندوق النقد الدوّلي، هذا البند هو تقديم مصرف لبنان والمصارف التجارية 3 مليار دولار أميركي! فقدّ حذّر صندوق النقد الدوّلي في تقريره الأخير في آب الماضي، الدوّلة اللبنانية من محاولة فرض قروض على المصارف بفوائد مُنخفضة وطلب من مصرف لبنان الإبتعاد عن كل عمليات الخزينة اللبنانية. وها هي الحكومة تُعاود المحاولة! على كلٍ لا نعرف تفاصيل هذا البند بالتحديد إلا أنه يُشكّل تهديد واضح لملاءة المصارف إذا لم يتمّ تنفيذ الإصلاحات الأخرى بشكلّ تام! والأصعب أن هذه المؤسسات قدّ تعمدّ إلى خفض تصنيف لبنان الإئتماني.

الليرة ثابتة على الرغم من الضغوط

على الرغم من الإطار الأسود الذي يعصف في لبنان، وعلى الرغم من إحتمال التوجّه إلى تصعيد، إلا أنّنا نرى أن الليرة ستبقى مُستقرة. الأسباب التي تدّفعنا إلى القول هي التالية:

أولا: حجم التبادل في سوق الصيرفة ما يزال ضئيلا حتى الساعة وبالتالي حتى لو إرتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، فهذا لا يُمكن إعتباره السعر الرسمي نظرًا إلى أن العمليات التي تتمّ بين المصارف يبقى حجمها أكبر بكثير.

ثانيًا: هناك إستحالة تقنية لكسر الليرة اللبنانية في سوق القطع، وهذا أمر محسوم! إلا أن إحتمال خلق عذر بين المودعين هو إحتمال وارد وهذا قد يزيد من الضغط على الليرة اللبنانية، إلا أننا نرى أن مصرف لبنان بواسطة إحتياطاته ما زال يتمتّع بالقدرة على الحفاظ على ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية.

ما تقدّمنا به لا يعني أن الأسعار ستبقى ثابتة، فالإستيراد المُفرط الذي يقوم به اللبناني هو بالدولار الأميركي وهو غير مؤمّن من قبل مصرف لبنان. لذا سيتمّ شرائه في سوق الصيارفة بأسعار عالية ستنعكس في أسعار الإستيراد وبالتالي أسعار السوق. لكن هذا الإطار الأسود يُقابله إطار إيجابي وهو أن الطلب على البضائع اللبنانية سيرتفع حكمًا مما يعني زيادة في عائدات الشركات وبالتالي الحفاظ على الوظائف.

إستعادة الأموال المنهوبة

إستعادة الأموال المنهوبة، عبارة صارت على كل لسان منذ أن أطلقها حزب سبعة في العام 2017 الذي كان سبّاقًا في تقديم مشروع قانون بهذا الخصوص بواسطة النائب سامي الجميّل. أيضًا قام التيار الوطني الحرّ حديثًا بتقديم مشروع قانون لإستعادة الأموال المنهوبة يتميّز عن مشروع حزب سبعة بأنه لا يطال الحصانات. وقدّ برّر التيار الوطني الحرّ هذا الأمر بقوّله أنه بحاجة إلى تعديل دستوري. لكن زخم عبارة «إستعادة الأموال المنهوبة» أخذ بالتصاعد بعد ذكر أمين حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه لهذه العبارة التي أصبحت اليومّ على كل لسان.

إستعادة الأموال المنهوبة هي مبادرة قامت بها الأمم المُتحدة وتهدف إلى إسترداد الأصول المنهوبة من الدولة من قبل أصحاب نفوذ أو سياسيين، مخبأة في الحسابات المصرفية الأجنبية والعقارات والمركبات والفنون والتحف والمعادن الثمينة، وذلك عملا بإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقّع عليها لبنان في 22 نيسان 2009. وتطال هذه الأموال المنهوبة كل الأموال الناتجة عن الفساد والرشوة والصفقات العمومية والهدر والأعمال غير المشروعة في البلد المعني.

وتُحاول الأمم المُتحدة إرغام الدوّل على إعتماد تشريعات محلّية لإستعادة الأموال المنهوبة قناعة منها بأهمّية هذه الأموال للإنماء في هذه الدوّل وخصوصًا في دول العالم الثالث التي يستبيح زعماؤها المال العام.

ليس من السهل تقدير حجم الأموال المنهوبة في لبنان نظرًا إلى أن قطوعات حسابات الدولة غير موجودة ونظرًا إلى أنه لا يوجد أرقام حقيقية عن أملاك الدوّلة اللبنانية ومشاريعها. إلا أنه من الواقعي جدًا إعتبار حجم الدينّ العام اللبناني حدّاً أدّنى لهذه الأموال نظرًا إلى أن تراكم هذه الدين آت بالدرجة الأولى من الفساد والهدر.

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة