jassemajaka@gmail.com
تجميد وتأجيل أم إلغاء.. هجمات بقيق وخريص تهزّ مصير الطرح العام الأولي لـ”أرامكو”
مرآة الجزيرة | سناء إبراهيم
غيّر تاريخ الرابع عشر من سبتمبر 2019، وجه الاقتصاد السعودي لفترة من الزمن. فترة يستبعد خلالها استكمال خطة الرياض لطرح عملاق النفط “أرامكو” للاكتتاب العام، إثر ما لحق بمنشآتها من الهجوم الذي نفذته المسيّرات اليمنية على مصفاتي بقيق وهجرة خريص. هجوم دفع العالم لتسليط الأضواء نحو الخليج وترقب تبعات وارتدادات الحادثة، التي أبرزت مواقف سياسية ودولية وأحجام اقتصادية وتأثريات من شأنها أن يهتز العالم لأجلها، المعتمد على الذهب الأسود في قاعدته الاقتصادية الأساسية. عقب مضيّ أسبوع على وقوع هجمات “أرامكو”، كشفت السلطات السعودية عن الأضرار التي لحقت بالمنشأتين، ورغم هول الخسائر والأضرار يبقى الإصرار والتأكيد على أن الرياض تتمكن من استعادة إنتاجها بشكل كامل، في خلال أقلّ من أسبوعين في صيغة تحاول التخفيف من التأثيرات السلبية على شكل الرياض وهيبتها الاقتصادية المتوجهة نحو طرح الاكتتاب العام لجزء من شركة “أرامكو”، في حين يؤكد مراقبون وخبراء اقتصاديون أن طرح اكتتاب “أرامكو” سيجمّد في هذه الآونة، بفعل الخسائر التي لحقت بها، والتبعات المتلاحقة لهذا الاستهداف، وهو ما بينه الباحث النووي والاقتصادي الأستاذ الجامعي البروفسور جاسم عجاقة في حديث خاص مع “مرآة الجزيرة”.
لن تؤجل عمليات استهداف منشأتي بقيق وهجرة خريص الطرح العام الأولي لشركة “أرامكو” وحسب، بل ستقلص أيضا العوائد المتوقعة منه، إذ أن المستثمر إما سيتردد في الشراء أو أنه لن يدفع السعر المتوقع سابقا، هذا ما يراه خبراء اقتصاديون مطلعون على واقع الهجمات التي لحقت بالمنشأتين، والأضرار التي نتجت عنها. فالإستهداف تسبب بإيقاف صادرات النفط بشكل مؤقت بنسبة زادت على 50 بالمائة مع توقف إنتاج 5.7 مليون برميل يوميا، وهذا الأمر، لن يعوض عنه ارتفاع سعر برميل النفط بنسبة 20 بالمائة قبل أن يتراجع إلى مستوى 65 دولارا للبرميل، وهو سعر قريب من أسعار ما قبل الضربات.
عن طريق “أرامكو” تصدّر الرياض يومياً أكثر من 7 ملايين طن، أي ما يعادل أكثر من 7 بالمائة من الاستهلاك العالمي، ولأن هذا الحجم من النفط هو المادة الأساس للعالم بأسره، فإن العمليات التي استهدفت المنشأتين تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي وبالتالي أدارت العالم نحو الرياض لتبيان حجم الضرر جراء العمليات، إذ يشدد البروفسور جاسم عجاقة، على أنه “مما لا شك فيه أن الهجوم على “أرامكو” كان خطيراً جداً، وأن تبعاته الاقتصادية ترتبط بحجم الأضرار، فإذا كانت الأضرار يمكن أن يتم إصلاحها خلال فترة تتراوح من أسبوع إلى أقل من شهر، فإن الأمر سيكون من دون تبعات أو ذات تبعات اقتصادية بسيطة، ويمكن اعتبار الاستهداف أنه أتى على شكل خضة صغيرة لا أكثر”، مستدركاً أنه “في حال امتدت مدة الإصلاحات إلى أكثر (من مدة أسبوع إلى نحو شهر)، فإن أسعار النفط ستصعد بشكل كبير جداً، وهذا له تبعات اقتصادية هائلة جداً”. ويتابع ” أن الاقتصادات المتطورة جميعها تعتمد على النفط، وفي حال ارتفاع الأسعار فإن الكلفة سترتفع أيضاً، ومع زيادة الكلفة فهذا الأمر سيكون تخفيف من النمو الاقتصادي العالمي، وهذا الأمر خطير ويتخوف من تداعياته السياسية التي ستؤثر من دون أدنى شك على الاقتصاد العالمي”.
وفي حديثه لـ”مرآة الجزيرة”، يوضح الباحث في المجال النووي والاقتصادي أن منشأتي خريص وبقيق غير معلوم كم تحتاجان من أجل العودة إلى العمل، لأن الأمر رهينة الأضرار الحقيقية غير المعلومة، ومن المؤكد أن المسؤولين بحاجة إلى وقت من أجل إحصائها، مشيراً إلى أن “الخسائر السعودية على الصعيد الاقتصادي هي لشركة أرامكو ويتوقع أن تكون بين 350 و400 مليون دولار يومياً، وهذا الرقم يشكل حجم الأرباح التي كان يجب أن تحققها الشركة في كل يوم والتي لم يتم تحقيقها، فكانت هذه الخسائر المؤكدة للشركة.
ويوم الجمعة 20 سبتمبر 2019، وبعد نحو أسبوع على العملية التي استهدفت منشأتي “أرامكو”، نظمت السلطات السعودية جولة للصحافيين في منشأة “خريص” و”بقيق” حيث يوجد أضخم مصنع لتكرير النفط الخام في العالم، واعترف أحد المسؤولين في “أرامكو” أن منشأة خريص تعرّضت لأربع ضربات، في حين تلقت منشأة بقيق 18 ضربة، وقد أظهرت الصور تعرّض 15 برجاً ومنشأة وخزانات ضخمة لأضرار، وكذلك منشآت تعمل بالأخص على فصل الغاز عن النفط الخام.
قيمة “أرامكو” تهوي بعد خسائر هجوم بقيق وخريص
“طرح اكتتاب أرامكو سيجمد بالتأكيد”، هذا ما يشدد عليه البروفسور عجاقة، منبهاً إلى أن حجم الخسائر سيقلل من قيمتها. ويفسّر أنه “عادة، عندما يتم طرح شركة للاكتتاب، فإنها يجب أن تكون الشركة في أعلى مستوياتها ولديها أرباح هائلة ولا يكون لديها الخسائر التي تتكبدها “أرامكو” منذ لحظة الهجوم على المنشآت”.
الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، يبين أنه في الحالات العادية والطبيعية عندما توجد الأرباح المهمة للشركة، يكون هناك إغراء للمستثمرين، شكل الإغراء وحجم الأرباح الناتجة عن هذا العمل الاقتصادي للشركة ينعكس على إمكانية تحمل المستثمرين لمستوى معين من المخاطر، حيث أن “حجم المخاطر المستعد أن يقبل به المستثمر حتى يدخل في استثمار معين يتعلق بنسبة الأرباح على الاستثمارات، وكلما ارتفعت نسبة الأرباح، كانت الرغبة في الإستثمار أكبر، وبالتالي هامش تحمل المخاطر وقبولها أكبر”.
هذا، ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر محلية، قولهم بوجود متغيرات جديدة داخل شركة “أرامكو”، على خلفية الهجمات التي تسببت بتعطيل صادرات النفط وإنتاجه، مبينة أن الشركة تتجه إلى اقتراض أكثر من مليار دولار، وطلبت من عدة بنوك تقديم مقترحات بشأن القرض لتمويل مشروع.
كما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن مصادر قولها إن “المسؤولين السعوديين يناقشون حاليا زيادة الحصة المقرر طرحها من أسهم “أرامكو” للاكتتاب العام من 5 بالمئة إلى 10 بالمئة، وسط تساؤلات في الأوساط الاستثمارية عن انعكاس تلك المتغيرات داخل “أرامكو” على مستقبل الشركة ومصير عملية الطرح”.
جدير بالذكر، أن عملية طرح اكتتاب “أرامكو”، مر بنكسات متتالية، فهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها التحضر لطرح في الأسواق العالمية ومن ثم يعلّق أو يجمّد، وقد كشفت في وقت سابق وكالة “رويترز” عن أن الملك سلمان بعث برسالة إلى الديوان الملكي، في أواخر يونيو الماضي، يطلب فيها إلغاء خطة طرح أسهم “أرامكو”، وفق ما نقلت الوكالة عن ثلاثة مصادر، إلا أن السلطات نفت ما أعلنته الوكالة.
بالمقابل، نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقرير، أشارت فيه إلى أن “الرياض تقوم بإجبار العائلات الثرية لضخ أموال في عملية اكتتاب أسهم في شركة النفط “أرامكو”، التي تخطط لطرحها في السوق المالية قريبا، وذلك كجزء من عملية التقييم التي يقدرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتريليوني دولار”، ونقلت “عن ثمانية أشخاص قالوا إنهم جزء من خطة لبناء الثقة في صفقة “أرامكو”، التي تعرضت لضربة قاسية في 14 سبتمبر، عندما دمرت صواريخ وطائرات مسيرة أجزاء من منشآت النفط في بقيق وحقل خريص النفطي”.