Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

ماذا بعد الهجوم الحوثي على منشآت نفطية في المملكة العربية السعودية؟

هل تستخدم واشنطن هذا الملف لإضعاف خصومها الإقتصاديين؟

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

مما لا شكّ فيه أن تداعيات الهجوم الحوثي على منشآت نفطية حيوية في المملكة العربية السعودية، تركت تداعيات في جلسة البارحة للأسواق المالية إذا قفز سعر برميل النفط من 54.8 دولار أميركي للبرميل الواحد إلى أكثر من 62 دولار أميركي في نهاية الجلّسة. لكن هذه التداعيات لم تطل فقط الأسعار بل أسست لقواعد لعبة جديدة على صعيد هيكلية السوق وبالتالي بدأت الحسابات الجيو – إستراتيجية بالظهور.

هذا الإستنتاج آت من تصريح الرئيس دونالد ترامب الذي أعلن أن بلاده “ليست في حاجة إلى نفط وغاز منطقة الشرق الأوسط”، مع التأكيد أن واشنطن ستساعد حلفاءها. ففي إحدى تغريداته، قال ترامب أن الولايات المُتحدة تقدّمت كثيرًا في مجال إنتاج الطاقة بحيث أصبحت المُنتج الأول للطاقة في العالم مُستنتجًا أن لا حاجة إلى نفط وغاز الشرق الأوسط.

إستخرجت الولايات المُتحدة الأميركية درسًا من أزمة النفط في العام 1973. هذا الدرس ينص على أن النفط هو عنصّر إستراتيجي بالنسبة للإقتصاد الأميركي، وبالتالي لا يُمكن للولايات المُتحدة الأميركية أن تكون رهينة أي دولة أو تجمّع دول في العالم. لذلك عمدت ومنذ ذلك الوقت على العمل على خطط بديلة لتخفيف التعلّق بإستيراد النفط ومن بينها خلق إحتياطات إستراتيجية من النفط تكفي الولايات المُتحدة الأميركية ثلاثة أشهر.

ارتفاع أسعار النفط في العام 2008 إلى 150 دولار أميركي للبرميل الواحد جعل من النفط الصخري خطّة بديلة ذات مصداقية حيث أخذت شركات النفط الصخري الأميركي بتطوير وسائل إستخراج جديدة تعتمد أكثر على التكنولوجيا مما سمح لها برفع الإنتاج من 7.77 مليون برميل في النهار إلى 14.61 مليون برميل في اليوم في العام 2018 لتُصبح الدوّلة الأولى في العالم من ناحية الإنتاج. وبالتالي أصبحت الولايات المُتحدة قادرة على تلبية 74.

الإستراتيجية الأميركية ذهبت بعيدًا، فعلى الرغم من قدرتها على سدّ 74.

إقتصاديًا، تدخلها في سوق العرض آت من منطلق أنها تُريد أن يكون لها كلمة في أسعار السوق مع قدرة إنتاجية في إزدياد مُستمر مما يعفي إقتصادها من أيّة خضّات شبيهة بتلك التي حصلت في العام 1973. أمّا سياسيًا، فتدخل الولايات المُتحدة الأميركية في سوق الطلب يسمح لها بفرض كلمتها على الدول التي تستورد منها نفط، فإذا كانت الأنظمة في هذه الدوّل مُعارضة لسياسة الولايات المُتحدة الأميركية، عمدت هذه الأخيرة إلى فرض عقوبات. على هذا الصعيد يجدر الذكر أن كل الدوّل التي شهدت حروبًا داخلية (الربيع العربي..) والتي تُنتج نفط، شهدت في الأشهر التي سبقت إندلاع الحرب تصفيرًا لإستيراد الولايات المُتحدة الأميركية لنفطها (حالية ليبيا مثلاً).

لذا اليوم وعندما يُصرّح دونالد ترامب أن بلاده ليست بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، فهو يقول الحقيقة. إلا أن ما لا يقوله هو أن الولايات المُتحدة الأميركية لا يُمكنها ترك مصادر الطاقة للغير ويجب أن يكون لها كلمة في الأمر.

عمليًا الولايات المُتحدة الأميركية ليست المُستهلك الكبير الوحيد في العالم، فهناك الصين، أوروبا، الهند، اليابان، البرازيل وغيرها من الدوّل الصناعية. ومُعظم هذه الدوّل لا تُنتج النفط وبالتالي فهي رهينة الأسعار العالمية التي في حال إرتفعت ترفع الفاتورة الحرارية على إقتصادات هذه الدول وتُقلّل من تنافسيتها مقابل الولايات المُتحدة الأميركية التي تتنافس معها على العديد من المُنتوجات والخدمات. وعلى رأس هذه الدوّل الصين التي دخلت في صراع تجاري مع الولايات المُتحدة الأميركية من خلال فرض رسوم متبادلة على إستيراد السلع والبضائع.

وهنا تظهر الفرصة أمام رجل الأعمال دونالد ترامب الذي يرى في كل حدث فرصة لدعم شعاره “أميركا أولًا”، فهو الذي صرّح أن الولايات المُتحدة الأميركية لن تضع أسطولًا في الخليج العربي لحماية نفط الدول الغنية. وإذا ما أرادت الدوّل الغنية حماية من قبل الولايات المُتحدة الأميركية، فعليها أن تدفع. الجدير ذكره أن الصين تستورد نفطها بنسبة 6

إذًا ومما تقدّم، نستنتج أن الولايات المُتحدة الأميركية لن تعمد إلى تأمين مصادر الطاقة في العالم إلا إذا كان لها مصلحة في ذلك. في ظل هذا الإطار، هل ستنجح الولايات المُتحدة الأميركية في تصفير صادرات إيران النفطية؟

هناك عدّة أمور يتوجّب الأخذ بها قبل الردّ على هذا السؤال، فالولايات المُتحدة الأميركية تُريد التفاوض مع إيران وبالتحديد تُريد منها عدد من المطالب التي يُمكن تلخيصها بالتالي:

أولًا – وقف برنامجها النووي وإعتماد الشفافية في شأن منشآتها؛

ثانيًا – وقف برنامج إيران للصواريخ الباليستية؛

ثالثًا – وقف التدخل في العراق واليمن ولبنان و(الإنسحاب من) سوريا؛

رابعًا – وقف الدعم لحزب الله، الحوثيين، وحركة حماس؛

خامسًا – وقف العداء لإسرائيل.

رسميًا، إذا ما قبلت إيران بهذه الشروط (وهذا مُستحيل) لا مشكلة لدى الأميركيين في عودة تصدير إيران للنفط (هذا ما يُصرّح به الأميركيون). لكن عمليًا إيران ترفض هذه المطالب والولايات المُتحدة الأميركية تعرف هذا الأمر.

وإذا كانت إيران قد قبلت التخلّي عن البرنامج النووي سابقًا وتحجيمه ببرنامج سلمي بحثي (إتفاق 2015)، إلا أنه من المُستحيل على إيران التخلّي عن النقاط الأخرى نظرًا إلى البعد الإستراتيجي لهذه النقاط. فالصواريخ البالستية التي تُطوّرها إيران هي حق في نظر طهران نظرًا إلى أن هذه الأسلحة ليست بأسلحة دمار شامل. في المقابل التخوّف الأميركي هو أن تكون مهمّة هذه الصواريخ هي حمل رؤوس نووية أو ضرب منشآت نفطية أو حتى ضرب إسرائيل.

أمّا على صعيد دعم حزب الله والحوثيين وحركة حماس، فترى إيران أنها تدعم حق المقاومة لهذه الشعوب التي تتعرّض للعدوان وبالتالي هذا حق طبيعي لها قامت بممارسته الولايات المُتحدة الأميركية ودول أخرى من قبلها. ولعل هذه النقطة هي الأهمّ إستراتيجيًا لإيران والتي يُمكن التنبؤ أنها لن تتخّلى عنها أبدًا. في حين ترى الولايات المُتحدة الأميركية أن دعم إيران لهذه المنظّمات هو دعم للإرهاب وبالتالي تفرض عقوبات على إيران. من هنا نرى أن العقوبات مُستمرة والضغط على صادرات إيران النفطية مُستمرّ أقلّه إلى كانون الثاني القادم موعد إستلام الرئيس المُنتخب سدّة الرئاسة في الولايات المُتحدة الأميركية. ولم يعد يُخفى على أحد أن إيران تُراهن على عدم إنتخاب ترامب لولاية ثانية علّها تجد ليونة أكثر مع الرئيس الجديد.

في الواقع، الهجوم الحوثي على مُنشآت نفطية في السعودية والضرر الذي خلّفه هذا الهجوم، سيجّعل من شبه المُستحيل تصفير الصادرات بالكامل. ونتوقّع أيضًا أن تزداد الضغوط الأميركية على إيران لأن في هذا الأمر خدّمة لإستراتيجية ترامب فيما يخص طلب الحماية الأميركية من قبل الدوّل “الغنية” المُستوردة للنفط.

بالطبع، الروس لن يقفوا مُتفرّجين وروسيا دوّلة مُنتجة للنفط، لذا نرى أن إرتفاع الأسعار ونقص العرض بقمية 5 ملايين برميل يوميًا، سيدفعها إلى زيادة إنتاجها وبالتالي مدخولها وهي التي ترزح تحت العقوبات (الجزئية) الأميركية والأوربية. إلا أن ما هو أكيد أن الكمّية التي يُمكن لروسيا ضخّها في الأسواق ليست كبيرة نظرًا إلى أن القطاع النفطي في روسيا يحتاج إلى إستثمارات تمنع العقوبات من وصولها إلى روسيا.

على صعيد لبنان، نرى أن ارتفاع أسعار النفط العالمية سيُصعب من مناقشة مشروع موازنة 2020 وهي التي تحوي على دعم لشراء فيول لشركة كهرباء لبنان. كما أن زيادة الفاتورة الحرارية على الإقتصاد اللبناني نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ستؤدّي إلى خفض توقعات النمو في مشروع موازنة العام 2020 المُقدّرة بـ 1.

Print Friendly, PDF & Email
Source الجريدة