Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

العقوبات الأميركية تأخذ منحىً تصاعدياً

إصدار سندات يوروبوندز ليس مطروحًا

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

في الخامس عشر من شباط 2017، زار رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العاصمة الأميركية واشنطن مع أجنّدة حملت نقطتين أساسيتين: الأولى خطّة لضرب حزب الله وحماس، والثانية المساعدات الأميركية لإسرائيل. وأشارت معلومات أنذاك نشرها موقع بلومبرغ، أن نتنياهو طلب من الرئيس المُنتخب حديثًا (أنذاك) فرض عقوبات قاسية على إيران في كل مرّة تدعم فيها حزب الله وحماس، وفرض عقوبات مالية على أعضاء حزب الله ومناصريه.

عداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب للنظام الحاكم في إيران واضح ولا ريب فيه. فهو الذي أعلن خلال حمّلته الإنتخابية عن رغبته في الإنسحاب من الإتفاق على البرنامج النووي الإيراني وهذا ما فعله بعد إنتخابه. وبحجّة خرق إيران للإتفاق النووي من خلال التجارب التي قامت بها على صواريخ بالستية متوسطة وبعيدة المدى، قام بتنفيذ وعده الإنتخابي وفرض عقوبات تلقائية على إيران. أيضًا لا يُمكن تناسي عداء ترامب لحزب الله وهو الذي يعتبره أحد أذرعة إيران في المنطقة وتوعّده أكثر من مرّة بفرض عقوبات عليه والتضييق على تمويله المالي.

تواجه إسرائيل مُشكلة ثلاثية تتمثلّ بإيران، حزب الله، وحركة حماس. وتعتبر إسرائيل أن الخطر الأكبر عليها يأتي بالدرجة الأولى من الثنائي حزب الله – حماس «المدعوم من إيران عسكريًا وماليًا» بحكم القرب الجغرافي معها، وبالتالي للقضاء على هذا الثنائي هناك حلان ممكنان: الأول عسكري والثاني مالي عبر ضرب الإمدادات المالية والعسكرية القادمة من إيران.

الخيار العسكري رفضه الرئيس ترامب حيث أظهر التقييم العسكري – الإستراتيجي والكلفة الباهظة التي نتجت عن عدوان تمّوز 2006 وعلى غزّة في العام 2008، أن الخيار العسكري مُستبعد. وعلى الرغم من التصريحات الإعلامية للجنرال الإسرائيلي «أميكام نوركين» لوكالة «بلومبرغ» أنذاك أنه «تمّ القضاء على العراق، اليمن، سوريا، والسودان وتبقى مُشكلة الثلاثية إيران – حزب الله – وحماس»، وتساؤله عن ما «إذا كان من المفروض الرد الفوري الأن أو تحضير الجيش الإسرائيلي للحرب المقبلة»، إلا أن التاريخ أثبت أن الخيار العسكري سقط.

الإستراتيجية الأميركية تعتمد على مبدأ «أميركا أولاً» أي الإستفادة الإقتصادية بالدرجة الأولى للولايات المتحدة الأميركية. وهذا الشعار الذي حمله الرئيس ترامب طبّقه بحذافيره حيث واجه كل من الصين عبر فرض الرسوم الجمركية على صادراتها إلى الولايات المُتحدة الأميركية وواجه الروس الذين يقبعون تحت العقوبات الأميركية منذ عقد ويُحارب بشدّة مشروع «North Stream II» بين روسيا والمانيا الذي يعتبره تهديدًا واضحًا للمصالح الأميركية. هذه الأخيرة فرضت على ترامب مواجهة روسيا في سوريا (ولو بشكل غير مباشر) حيث عزّز الوجود العسكري الأميركي فيها. ووسع ترامب إستراتيجيته لتطال أمن الدوّلة العبرية والتي لم يغب عن بال ترامب تهدّيد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد لها بـ «إزالتها عن الخارطة العالمية». وهذا ما دفع ترامب يومها إلى وصف الإتفاق على البرنامج النووي الإيراني بـ «الكارثة» وبأنه «هولوكوست نووي».

لم تتأخر المواجهة الأميركية – الإيرانية بالتوسّع حيث ظهر للعلن أنها ستكون حرباً إقتصادية بامتياز عبر فرض العقوبات وزيادتها في كل مرّة هناك حاجة مع إستبعاد مواجهة عسكرية نظرًا للمخاطر المحفوفة بعملية مثل هذه العملية وذلك على الرغم من وجود مجموعة من السياسيين الذين يُحيطون بترامب ويُسمّون أنفسهم «نكره إيران» وعلى الرغم من المواجهات العسكرية المحدودة (إسقاط الطائرة الأميركية…).

} العقوبات الأميركية على حزب الله }

العقوبات الأميركية على إيران طالت أيضًا حزب الله وحماس وشدّت الخناق على إيران إقتصاديًا. وأخذ حزب الله حيزًا مهمًا على لائحة العقوبات نظرًا إلى القدرة العسكرية التي يتمتّع بها والتي أصبحت تفرض معادلات في الجو أيضًا بعدما فرضت معادلات على الأرض.

لائحة العقوبات تضمّنت أسماء لها رمزية كبيرة وعلى رأسها إسم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي صرّح أكثر من مرّة أن حزب الله لا يستخدم القطاع المصرفي اللبناني. وبالتالي، لم تُعطِ الموجة الأولى من العقوبات مفعولها المنشود، لذا عدّلت الإدارة الأميركية من خطّتها بحيث أصبحت تطال البيئة الحاضنة لحزب الله (بما فيها الشيعة، السنّة والمسيحيون) بهدف خلق رفض لدى هذه البيئة الحاضنة التي يُحّملها الأميركيون مسؤولية إستمرار صمود حزب الله.

العقوبات الأخيرة التي صدرت بحق جمّال تراست بنك، إعتبرها البعض على أنها موجّهة ضدّ الشيعة، إلا أننا نعتقد أن العقوبات الأميركية تستهدف كل شخص تصنّفه الإدارة الأميركية (عن حق أو عن باطل) على أنه مناصر لحزب الله. ويكفي النظر إلى لائحة العقوبات لمعرفة أن هناك أسماء مسيحية موجودة عليها.

السيد حسن نصر الله وفي خطابه الأخير في ذكرى عاشوراء قال «إذا كانت الدولة ضعيفة على صعيد الجهوزية العسكرية بالمقارنة مع إمكانيات العدو الإسرائيلي، ما اضطره الى أن يملأ الفراغ منذ عقود، فإنها تملك في المقابل أوراقاً للحدّ من مفاعيل الحصار الاميركي والعقوبات المتدحرجة التي تصيب أهدافاً عشوائية، وهي معنية بأن تستخدم هذه الأوراق، لا أن تبقى متفرِّجة على ما يجري». بالطبع هذه دعوة واضحة للحكومة اللبنانية للقيام بلعب ما أسماه «أوراقًا» للحد من مفاعيل العقوبات الأميركية.

وقد نُقل عن أوساط حزب الله أنه «شديد الإمتعاض من كون بعض المصارف والمؤسسات أصبحت أميركية أكثر من الأميركيين، الأمر الذي لم يعد بإمكانه أن يتقبّله». فهل تكون الأوراق التي تحدّث عنها السيد حسن نصر الله تتمثّل بتدخل الحكومة لدى المصارف؟

أيضًا نقلت مصادر إعلامية، أن «الحصار الأميركي المتصاعد قد يدفع البعض الى المطالبة بإعادة النظر في التزام لبنان بقوانين تتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب التي تمّ إقرّارها تحت الضغط الاميركي والدولي». هذه المعلومات بالإضافة إلى معلومات تنصّ على أن حزب الله يدرس الخيارات المحتملة للجم تداعيات هذه العقوبات ويُناقشها مع حلفائه، تؤدّي إلى الإستنتاج أنه أمام الحكومة اللبنانية إستحقاقات على هذا الصعيد قد تؤدّي إلى تعطيلها من جديد نظرًا إلى حساسية الموضوع.

بإعتقادنا، الدوّلة اللبنانية عاجزة عن القيام بأي إجراء فعلي إلا من خلال إتخاذ مجلس الوزراء اللبناني لقرار واضح بمواجهة العقوبات الأميركية. إلا أن مثل هذا القرار قد يُطيح بالحكومة اللبنانية وسيؤدّي إلى فرض عقوبات شاملة على لبنان وهذا ما لا يُمكن للطبقة السياسية تحمّل تداعياته. وبالتالي نستبعد أي إجراء من قبل الدوّلة اللبنانية على هذا الصعيد.

على كل الأحوال حزب الله على وعيّ كامل للواقع الحالي، كذلك الأمر بالنسبة للطرف الأخر الذي يزيد من الضغط الإعلامي على الدوّلة اللبنانية. فقد قامت إحدى وكالات الأنباء بنشر مقال قالت فيه أن لبنان يُحضّر لإصدار سندات خزينة يوروبوندز بقيمة 2 مليار دولار أميركي وأن الفائدة ستكون الأعلى في التاريخ (14.

ليس بخفي على أحد أن الدولة اللبنانية تُصدر سندات خزينة كل عام، وبالتالي ستُصدر حكمًا هذا العام أيضًا. إلا أن التوقيت المناسب يكون عادة بعد إقرار موازنة العام أو بعد إجراء إصلاح أساسي لكي يكون وقع الإصدار أكبر في السوق. لذا ومن هذا المُنطلق نرى أن الخبر الذي أصدرته هذه الوكالة هو سيناريو إفتراضي. أضف إلى ذلك أن مُعدّل «العائد» (أي الأرباح المتحققة والمحققة على استثمار خلال فترة زمنية محددة كنسبة مئوية) منذ أوائل العام 2016 وحتى اليوم هي 8.4

وهنا يتوجّب القول أن إرتفاع العائد على السندات ليس بالضرورة أمرًا سيئًا بالمطلق إذ من المعروف أن سلوك بعض المستثمرين (Behavioral Finance) يجذبهم إلى الإستثمارات ذات العائد المرتفع على الرغم من وجود المخاطر وبالتالي يعمدون إلى شراء السندات مما يزيد من سعرها ويُقللّ من عائداتها. وهذا الأمر مُثبّت علميًا تحت ما يُسمّى بالـ«Mean Reverting Process».

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة