Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

ماذا فعلتم للبنان.. لاقتصاده ولمواطنيه؟

الديار |  البروفسور جاسم عجاقة

أكثر من 200 يوم مرّ على عمر هذه الحكومة والناس تنتظر منها بدء الإصلاحات. أكثر من 200 يوم والمواطن ينتظر أن تتحسن أوضاعه المعيشية، ولكن للأسف كل يوم يتآكل الاقتصاد والمالية العامّة ويزداد الفساد. وعود بالمئات إذا لم نقل بالآلاف تمّ إطلاقها من قبل السياسيين، لكن من دون أي تنفيذ لهذه الوعود. ونتساءل لماذا؟

لماذا هناك صعوبة في تطبيق الإصلاحات؟ لماذا هناك صعوبة في محاربة الفساد؟ لماذا لا يحق لنا بكهرباء 24/24، لماذا لا يحق لنا بهواء نظيف؟ لماذا علينا أن نستفيق كل يوم على روائح النفايات والمجارير؟ لماذا علينا أن نموت أمام أبواب المُستشفيات؟ لماذا علينا أن نُصدّر أبناءنا إلى الخارج؟ لماذا علينا أن نقضي ساعات على الطرقات للذهاب إلى العمل؟ لماذا علينا دفع رشى لإجراء معاملات في الدولة؟ لماذا؟

أسئلة نطرحها على السياسيين الذين أتوا بأصواتنا. صوّتنا لهم باعتبارهم النخبة التي ستُسيّر المصلحة العامّة (جمهورية أفلاطون). ألم يقل أفلاطون ان السياسة هي فن تعليم الفضيلة لعامّة الشعب؟ ألم يقلّ إن كفاءة النخبة تفوق كفاءة عامّة الشعب، لذا هم مؤهّلون لإدارة المصلحة العامة؟

ما يقارب الثلاثين عاما على انتهاء الحرب الأهلية وما زلنا من دون كهرباء. وعود على مر العهود بكهرباء 24/24 والنتيجة مُغايرة تمامًا لهذه الوعود. هل يُمكن تبرير كلفة كهرباء بقيمة 40 مليار دولار منذ العام 1992 إلى العام 2019 وفي المقابل تُعتبر الخدمة من الأسوأ في العالم بحسب البنك الدولي؟ هل يُمكن تعليل إنفاق هذه الأموال؟ لماذا لم يتمّ إنشاء معامل كهرباء بُعيد مؤتمر باريس 1، 2 و3؟ لماذا لم يتمّ القبول بعرض شركة سيمنز؟ لماذا لا يتمّ القيام بكل بساطة بمناقصة لإضاءة كل لبنان؟ كلفة الكهرباء على المواطن اللبناني سنويا هي 4 مليار دولار موزّعة على الشكل الآتي (2.4 مليار تحاويل وفوائد لمؤسسة الكهرباء، 600 مليون تقريبا فواتير، ومليار للمولدات الخاصة التي تُغّذي بنفس قدرة شركة الكهرباء). مع العلم أن 4 مليار دولار أميركي كافية لإضاءة لبنان 24/24 (4000 ميغاواط ضرب مليون دولار للميغاواط الواحد).

في كل صباح نستفيق على روائح النفايات والمجارير التي وصلت إلى المناطق النائية. وحتى باعتراف المسؤولين هناك أكثر من 900 مكب عشوائي للنفايات، مكبات وصلت إلى الجبال حيث ينابيع المياه التي أصبحت ملوّثة ولم تعد صالحة للشرب. مليار ونصف مليار دولار أميركي الكلفة السنوية للتلوّث البيئي في لبنان (4.

وماذا نقول عن المستشفيات التي يموت على أبوابها أناس لأن لا قدرة لهم على دفع كلفة الاستشفاء؟ أين أصبحت البطاقة الصحية التي تمّ إقرارها في مجلس الوزراء؟ كل يوم نرى على شاشات التلفزيونات دعوات للتبرّع لأشخاص بحاجة إلى أموال للقيام بعمليات في الخارج؟

زحمة السير الصباحية والمسائية امتدّت لتصبح في كل الأوقات وأصبحنا بحاجة إلى ساعات للوصول من المنزل إلى العمل؟ لا يوجد وسائل نقل وفي المقابل لا طرقات لاستيعاب السيارات؟ أين الوعود بحلّ أزمة السير؟ أين وسائل النقل البحرية والبرية والجوية التي وُعدوا بها اللبنانيون؟

المالية العامّة تُعاني من عجز مزّمن، كـ «بقرة حلوب» يتمّ كل يوم شفط المال العام الذي يتمتّع بقدسية في الدول المُتطوّرة في حين أنه مُستباح في لبنان! لا بل على العكس، يُعتبر كل شخص يسلب المال العام أو يتحايل على الخزينة العامّة «شاطر» . نعم أصبحت ثقافة التشبيح على المال العام نوعاً من أنواع الشطارة.

لماذا لا يتمّ وضع 100 عنصر من الجيش اللبناني على مرفأ بيروت برئاسة قاض نزيه لوقف سرقة ما يزيد عن مليار ونصف مليار دولار أميركي سنويا من المال العام؟ ما هي كلفة أجر 100 عسكري وقاض أمام المليارات المُستباحة من المال العام؟ هل هناك حاجة إلى إختصاصيين وخبراء من دول أخرى لوقف هذا النزف؟ بالطبع لا، الحلول معروفة ولكن الإرادة غير موجودة.

وماذا نقول عن 30 مليون م2 من الأراضي العامّة المُستباحة (أملاك بحرية، نهرية وسكك حديد)؟ هل يُعقل أن هذه الأراضي لا تؤمّن للدولة إلا مبلغ 100 مليون دولار أميركي سنويا في حين أن إيجار المتر الواحد في الزيتونة بيه 2500 دولار أميركي سنويا؟ بالطبع هذا لا يُمكن تبريره ولا بأي معادلة منطقية أو عملية. ماذا فعلنا على هذا الصعيد؟ للأسف لا شيء.

أكثر من 50 ألف لبناني سيُهاجرون هذا العام إلى الخارج لأن لا عمل في لبنان ولا وظائف. هيكلية الاقتصاد لا تسمح بخلق وظائف كافية للمتعلمين من شبابنا، والعمالة الأجنبية تحرم الأقل علمًا من شبابنا الوظائف الدنيا. أين هي الخطط لخلق الوظائف للشباب اللبناني؟ أم أننا نُفضّل تصديرهم إلى الخارج لكي يقوموا بتحويل الأموال إلى لبنان؟

أين وعود القوى السياسية والمسؤولين بمحاربة الفساد؟ لماذا لا نجد فاسدين وراء القضبان؟ هناك فساد باعتراف أعلى مرجعيات الدولة، لكن لا يوجد فاسدون! للأسف الفساد أصبح محميا بالمحاصصة السياسية وحتى محاربة الفساد أصبحت تحتاج إلى معادلة 6-6 مكرّر!

أين العدالة الضريبية ولماذا لا يتمّ وضع نظام ضريبي عادل مع ضريبة تصاعدية؟ أليست السياسة الضريبية في علم الاقتصاد أداة لإعادة توزيع الثروات والقضاء على الفقر؟ أكثر من 33.5

التاريخ يُخبرنا أن الحكومات المُتعاقبة لم تلتزم ببياناتها الوزارية التي ظلت حبرا على ورق، لكن يحقّ لنا اليوم سؤال حكومة «إلى العمل» عن بيانها الوزاري الذي نالت على أساسه الثقة. هذا البيان وعد بالكثير وأعطى أملاً للكثير من اللبنانيين، فهل ستكون هذه الحكومة كسابقاتها أو أنها ستُسجّل نفسها في التاريخ كأوّل حكومة التزمت ببيانها الوزاري؟

إستهلّ الرئيس الحريري قراءة البيان الوزاري لحكومة إلى العمل بقوله «هذه الحكومة نريدُها حكومة أفعال لا حكومة أقوال» . لكن وبعد 213 يوما على وجودها تبقى إنجازاتها خجولة أمام التحدّيات الكبيرة التي تواجه على الصعد المالية، الاقتصادية، البيئية والاجتماعية.

أرادها الرئيس الحريري حكومة «للقرارات الجريئة والإصلاحات التي لا مجال للتهرّب منها بعد اليوم» ، وحكومة «تتصدّى لأسباب الخلل الاداري والفساد المالي والتهرب الضريبي» … أين هي القرارات الجريئة والإصلاحات التي تتصدّى للخلل الإداري والفساد المالي والتهرّب الضريبي؟

لربّما كانت هذه الكلمات تُعبّر عن رغبة الرئيس الحريري الشخصية، إلا أنه وعلى الأرض، تبقى الخلافات السياسية والمحاصصة والفساد هي صاحبة الكلمة! وحكومة «إلى العمل» تحوّلت إلى حكومة «إلى التعطيل» خلال أربعين يومًا بسبب أحداث قبرشمون.

يا دولة الرئيس، الحكومة التي أردتها أن «تخاطب معاناة اللبنانيين وتطلعات الشباب والشابات للمستقبل وتضع في أولوياتها الاستقرار السياسي والأمني والأمان الإجتماعي لكل المواطنين، وترسم سياسة اقتصادية ومالية تواكب التحديات» ، لم تبدأ عملها بعد. والمواطن ينتظر أن تبدأ هذه الحكومة العمل!

أثبت علم الاجتماع أن الثورات التي تقوم بها الشعوب أسبابها عديدة، إلا أن السبب الرئيسي كان وما يزال الجوع الذي هو قادر على تغيير الدول ليس فقط على صعيد الأنظمة، لكن أيضا على صعيد الجغرافيا والتاريخ! فحذار من جوعة الشعب اللبناني.

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة