Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

“سوبر” مقرّرات و”بيكار” إقتصادي… هل يتحقّق التناغُم؟

عجاقة: مفاعيل تطبيق مقررات إجتماع بعبدا المالي مسألة أكثر أهمية من مشاريع سيدر وخطة ماكينزي

النهار | مجد بو مجاهد

تنشغل البلاد في رسم لوحات استنتاجات بعيدة المدى لـ”الجزء الثاني” من “يوم بعبدا الاستثنائي”، والمقصود به لقاء المصارحة والمصالحة الذي قطع دابر خطر سياسي – أمني تهدّد البلاد على إثر واقعة البساتين – قبرشمون. وسيطرت ابتسامات الساسة ووضعيات جلوسهم التقطت في صور فوتوغرافية عكست هدوء الجبهات، كمادة دسمة تناقلتها ألسن العامة، رغم أنه كان في كادر “يوم بعبدا الاستثنائي” ما هو أكثر أهميّة من مشهد تلاقٍ سياسيّ متكرّر في الأرشيف اللبناني.

ويقصد هنا “الجزء الأوّل” من يوم بعبدا ذاته – الاجتماع المالي والاقتصادي الذي ترأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهو اجتماع لم يأخذ حقّه كمادة دسمة تلاها رئيس الحكومة سعد الحريري، تناول فيها الاتفاق على جملة خطوات يعمل على تطبيقها في المرحلة المقبلة، للمساهمة في تفعيل الاقتصاد وتعزيز وضع المالية العامة والمباشرة بمناقشة تقرير “ماكنزي”.

وقد بعثت المقررات التي تلاها الحريري، نفحة تفاؤل صاخبة برزت في الصالونات الاقتصادية، التي بادر خلالها عدد لابأس به من الباحثين في اعتبار مفاعيل تطبيق قرارات اجتماع بعبدا المالي والاقتصادي مسألة في غاية الأهمية. ورأى هؤلاء أنها “سوبر مقرّرات” وسّعت “بيكار” الأولويات الاقتصادية! فاذا تمّ تطبيقها فعلاً، فإن لبنان لن يشهد أزمة بعد اليوم، ذلك أن خراب البلاد يكمن في عدم تطبيق هذه البنود. وتمثلت أبرز المقررات التي وعد الحريري بتنفيذها، بإقرار موازنة 2020 في مواعيدها الدستورية، ووضع خطة تفصيلية لإطلاق المشاريع الاستثمارية المقررة في مجلس النواب والبالغة 3.3 مليارات دولار، إضافة إلى مشاريع “سيدر”، والالتزام بخطة الكهرباء وإقرار قوانين إصلاحية وتفعيل عمل اللجان الوزارية، واستكمال خطوات الإصلاح القضائي وتعزيز عمل أجهزة الرقابة، والتشدد في ضبط الهدر والفساد.

ويتناول وزير الاقتصاد منصور بطيش عبر “النهار” أهميّة اجتماع بعبدا المالي الذي “اتّسم بايجابيات في ظلّ تضامن وتفاهم وتحسّس كل القوى السياسة بأولوية الوضع الاقتصادي. وقد عكس رئيس الحكومة ذلك بوضوح في كلمته إثر الاجتماع وحدّد الأولويات وهو ما سنعمل عليه في المرحلة المقبلة”. انشغلت الكاميرا بالتقاط صور فنية لدردشة في باحة القصر الجمهوري، جمعت بطيش بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قبل أن توسّع عدستها لالتقاط ملامح وجوه أقطاب المصارحة والمصالحة. ويأمل بطيش بتفعيل التنسيق في المرحلة المقبلة مع مصرف لبنان والتعاون بين كامل السياسات، مؤكّداً أن “لا محطات اختلاف، وما يهمنا الاستقرار في البلاد وتخفيض معدلات الفوائد، ما يتطلّب تضافر الجهود وتفاهمات سياسية وسياسات متناغمة ومتجانسة وغير متنافرة”. ويتطلّع إلى “تجانس السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية لإعادة استنهاض الاقتصاد وتخفيض كلفة الدين العام. فنحن الذين نتمسّك بسيادتنا واستقلالنا، لا نرضى باقتصاد استلحاقي”.

يغدو اجتماع بعبدا “فسحة أمل” من شأنها أن تفتح آفاق اقتصادية مختلفة بانتظار ترجمتها. فقد غابت السياسات الاقتصادية في البلاد خلال 27 سنة مضت، في ظلّ سيطرة توجّهات غلّبت الريع على الإنتاج، وفق بطيش، ما أوصل البلاد إلى مشكلة أساسية وهي القصور في الإنتاج سلعاً وخدمات. فبلغ العجز في الميزان التجاري سنة 2018، ما يقارب 16 مليار و650 مليون دولار، وسجّل العجز في الحسابات الخارجية الجارية 12 ملياراً ونصف المليار دولار. ومن هنا، يتطلّع بطيش في هذه المرحلة الدقيقة، إلى “بناء سياسات اقتصادية على تحفيز الإنتاج الوطني لتخفيض العجز في الميزان التجاري واستعادة ثقة المستثمرين، وهذا يتطلّب ضبط المالية العامة وتخفيض تدريجي لمعدلات الفوائد في سبيل تحفيز الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي وتخفيض الأعباء على القطاع الخاص وعلى مديونية الدولة. ولا بد للسياسات الاقتصادية أن ترتكز على تحفيز الإنتاج الوطني لتخفيف فاتورة استيراد السلع في لبنان التي تتجاوز 20 مليار دولار”.

ويتطلّب تحفيز الإنتاج الوطني “اتخاذ سلسلة إجراءات لاستعادة الثقة، وخاصة ضبط المالية العامة عبر تخفيض النفقات الجارية غير المجدية وتأمين الشفافية في مؤسسات الدولة، وتخفيض معدلات فوائد لمستويات تسمح باستنهاض الاقتصاد وزيادة الإنتاج في لبنان، وهذا ما يخفّف من نسبة الاستهلاك للإنتاج”، وفق بطيش. ويقول: “لا بد من التركيز على الإنتاج الصديق للبيئة في الصناعات الغذائية والزراعية والطبية والسعي إلى إشراك المرأة في الاقتِصاد بفعالية أكبر. ولا بدّ أيضاً من التركيز على توجهات وسياسيات بدلاً من التركيز على أشخاص. ويهمّنا تخفيض كُلفة النقل في الاقتصاد بوضع خطة نقل متكاملة موضع التنفيذ يكون لها انعكاسات اقتصادية مهمة، بما يسمح للطبقات المحدودة الدخل باستعمال النقل العام وتخفيض فاتورة المحروقات وزحمة السير والتلوث البيئي وتخفيض الفاتورة الصحية، بما يساهم في تنمية المناطق وتخفيف الاكتظاظ السكاني في المُدن”. ويشدّد بطيش على “ضرورة التركيز على دراسة ماكينزي التي أضاءت على قطاعات عدّة في الزراعة والصناعة والسياحة والتكنولوجيا، وستكون على جدول مجلس الوزراء في أقرب فرصة”.

ومن جهته، يعزو الباحث الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة سبب غياب السياسات الاقتصادية في لبنان إلى الخلافات السياسية التي تقود إلى طريق مسدود، كحادثة قبرشمون التي عطلت البلاد بدلاً من الاهتمام بالتحديات الاقتصادية. وهو أحد الاقتصاديين البارزين الذين يولون اجتماع بعبدا المالي أهمية كبرى، معتبراً أن “مفاعيل تطبيق مقرراته مسألة أكثر أهمية من مشاريع سيدر وخطة ماكينزي”. ويرى أن “السياسات النقدية التي اتبعها حاكم مصرف لبنان ساهمت في الحفاظ على كرامة المواطينن، وتبين أنها سياسات مؤاتية ساهمت في إنقاذ البلاد. وقد اضطلع مصرف لبنان بدور إضافي وهو تمويل الدولة، الذي يعتبر دوراً إنقاذياً مالياً ونقدياً للدولة اللبنانية”. ويعتبر أن “انتقاد السياسة النقدية ناجم عن شبابيك ثلاثة: خلفية سياسية أو مصالح شخصية أو فكر اقتصادي يساري يعارض الأسواق والرأسمالية بذاتها”. ويعوّل على العلاقة التي تربط سلامة برئيس الجمهورية، مؤكّداً أنها “علاقة احترام وتعاون إلى أقصى الحدود، فيعتبر سلامة أن عون هو محور أساسي في عملية انقاذ البلاد. ويترجم ذلك من خلال الاجتماعات الدورية بين الحاكم والرئيس يطلعه خلاله على الأوضاع النقدية والمالية”.

Print Friendly, PDF & Email
Source النهار