Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

أي دور لمصرف لبنان في المرحلة المقبلة؟

تُعتبر الأزمات المالية نتاج فقدان التوازن بين عوامل إقتصادية ومالية عدّة. وإذا كان لبنان يمرّ بأزمة إقتصادية ومالية ناتجة عن ضعف الإدارة الرشيدة للقرار الإقتصادي والمالي، إلا أن السياسة النقدية إستطاعت الحفاظ على ثباتها على مدى أكثر من عقدين. من هنا يُطرح السؤال : ما هو دور مصرف لبنان في المرحلة المقبلة؟

الأزمات المالية، عبارة تُستخدمّ لوصف الحالات التي تفقد فيها بعض الأصول المالية فجأة جزءًا كبيرًا من قيمتها الإسمية. وتجد هذه الأزمات مصدرها في الأسواق المالية وفي القطاع المصرفي ويواكبها ركود إقتصادي طويل المدى. وعادة ما يكون سبب هذه الأزمات خلل في المُعطيات الإقتصادية داخليًا (في بلد مُعين) أو خارجيًا نتيجة إستيراد الأزمة عبر القنوات المالية. وتتصف الأزمات المالية بخمّس مراحل، بحسب الإقتصادي تشارلز كيندلبيرغ، هي: الطفرة، الجنون والهروب، الخوف والاضطراب، التوطيد، والتعافي. وبحسب مجلس التحليل الإقتصادي الفرنسي، فإن وتيرة الأزمات تزداد مع الوقت. ففي الفترة ما بين العامين 1880 و1913، كانت الوتيرة

الأزمات ودور «المركزي»

يُظهر التاريخ أن الأزمات المالية مُكلفة ومُعقّدة حيث لا تمتلك السلطات هامشا كبيرا للتحرّك خلال الأزمة. لا بل يُمكن القول أن مُهمّة السلطات في هذه الحالة تقتصر على تخفيف التداعيات السلبية. ويأتي المصرف المركزي ليلعب الدوّر الأول في إستيعاب هذه التداعيات من هنا أهميّة أخذ الإحتياطات لمثل هذه الأزمات قبل وقوعها. تُعتبر السياسة النقدية أداة حادّة لا يُمكن إستخدامها لتصحيح الخلل في النظام المالي. لكن هذا الأمر لا يعني أن على المصرف المركزي التخلّي عن دوره في إستيعاب الأزمة، إلا أن مُهمته تصب في أخذ الإحتياطات اللازمة في الفترة ما قبل الأزمة من خلال سياسات إحترازية يفرضها على القطاع المصرفي وعلى الأسواق المالية مثل الرافعة في الأسواق المالية، أو نسبة القروض ومُتطلّبات رأس المال وغيرها. من هذا المُنطلق لعب مصرف لبنان دورًا رائدًا إستحق من أجله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جائزة أفضل حاكم مصرفي في العالم. فقد فرض سلامة على القطاع المصرفي اللبناني عددًا من الإجراءات الإحتياطية منها منع المصارف من التعامل بالمشتقات السامّة إلا بعد تقديم دراسة مُفصّلة إلى مصرف لبنان، تعزيز رأسمال المصارف من خلال عدم توزيع 2

أزمة الديون السيادية

تُعاني الدولة اللبنانية من عجز في موازنتها العامّة بقيمة 45 مليار دولار أميركي تراكميًا وذلك منذ العام 2004. هذا الأمر دفع بالدين العام إلى الإرتفاع إلى مستويات عالية فاقت الـ 77 مليار دولار أميركي (أكثر من 15

دور مصرف لبنان

تبقى المُهمّة الأولى لمصرف لبنان الحفاظ على الثبات النقدي بشقيه (سعر صرف العملة وسعر صرف الفائدة). إلا أن لهذه المُهمّة حدودها، فالمعروف أن العملة الوطنية تعكس الثروة الوطنية، فإذا إزداد الدين العام بشكلٍ إسّي (Exponential) لا يُمكن لمصرف لبنان الإستمرار بالقيام بمهمّته. لذا نرى أن مُهمّة مصرف لبنان مقرونة بإصلاحات وإجراءات من قبل الحكومة في أسرع وقت مُمكن لأن دور مصرف لبنان يبقى دعم الهيكلية المالية للدوّلة على مدى العامين المقبلين (من خلال تمويل الدولة والإقتصاد) حتى تُعطي الإصلاحات والإجراءات الحكومية مفعولها المُنتظر. في الختام، لا بد من التذكير بأن الإقتصاد هو خالق الثروات الوحيد ولا يُمكن الإتّكال على إقتصاد ريعي كما هو الوضع حاليًا. لذا يتوجّب على الحكومة تخطّي الأزمة السياسية والإسراع في وضع خطّة إقتصادية بالتعاون مع مصرف لبنان لكي لا تُطيح الأزمة المالية بالسفينة وتُغرقها. رابط الجمهورية 

Print Friendly, PDF & Email