Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

المنصة الإلكترونية حلمٌ بدأ يتحقق

جريدة الشرق | بروفسور جاسم عجاقة

إنها خطوة جبّارة قام بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر إطلاق المنصّة الإلكترونية. نعم إنها خطوة جبّارة لإنها ستنقل الإقتصاد اللبناني من إقتصاد يعتمد على تمويل المصارف إلى إقتصاد يعتمد على تمويل الأسواق سواسية مع الإقتصادات المُتطوّرة. فهل تكون هذه الخطوة باب الخلاص للإقتصاد اللبناني؟

الإستثمارات هي محور النمو في كل إقتصاد مهما كان نوع رأسمالي أو حر أو موجّه، وبالتالي لا يُمكن لأي إقتصاد في العام أن ينمو من دون إستثمارات. هذه القاعدة هي القاعدة الأساسية التي تُسيّر السياسات الإقتصادية للحكومات لدرجة أنه في بعض البلدان (مثل ماسيدونيا) هناك وزير للإستثمارات الذي يلعب دور البائع لمزايا بلده ويُسوّق للإجراءات التحفيزية التي تتخذها الحكومة بهدف إستقطاب رؤوس الأموال الخارجية.

ولا يُمكن نكران أن دول مثل تركيا إستطاعت الوصول إلى ما هي عليه من نمو بفضل الإستثمارات الأجنبية المباشرة التي بقيت على مدى أعوام تُبلغ 2

تُقسم الإستثمارات إلى قسمين أساسيين:

الأولى: وهي الإستثمارات المباشرة حيث تذهب الأموال إلى إلقطاعات المُنتجة والخدماتية وبالتالي تقوم شركة أجنبية/محلّية أو مُستثمر أجنبي/محلّي بإنشاء نشاطه الخاص في البلد المعني.

الثانية: وهي الإستثمارات غير المباشرة حيث يتمّ تمويل الإقتصاد من خلال الأسواق المالية أو من خلال المصارف وهنا قد تكون الأموال محلّية أو غير محلّية.

تُسمّى الإقتصادات التي تتموّل من خلال المصارف بـBanking Based Economies، والإقتصادات التي تتموّل من الأسواق المالية بـ Financial Market Based Economies.

إقتصادات الدوّل المُتطوّرة هي إقتصادات تعتمد بتمويلها على الأسواق المالية في حين أن إقتصادات الدول في طور النمو تعتمد بتمويلها على المصارف. لبنان هو من الدول التي تموّل إقتصادها من خلال المصارف وهذا الأمر يطرح مُشكلة تركيز المخاطر. فالمصارف اللبنانية أقرضت القطاع الخاص حتى الساعة ما يُقارب الـ57 مليار دولار أميركي (أكثر من الناتج المحلّي الإجمالي)، وهذا الأمر يزيد من المخاطر الإئتمانية على المصارف ويُبرّر سياسة رفع المدينونية التي تتبعها المصارف حاليًا والتي بدون أدنى شك لها تداعياتها على الإستثمارات.

العلاقة بين حجم القطاع المصرفي ونمو الإقتصاد هي علاقة على شكل حرف “U” مقلوب (Cecchetti& Kharroubi) أي أن القطاع المصرفي يُساهم في تمويل الاقتصاد بشكّلٍ فعّال حتى يصل إلى حجم مُعيّن (أطلق عليه Critical Size ) وعند تخطّي هذا الحجم يُصبح تأثير ارتفاع حجم القطاع المصرفي على النمو سلبيا! السبب يعود إلى أن المؤسسات المصرفية تُصبح مُصنّفة SIFI (أي Systemically Important Financial Institution) أي أن خطر وقوعها يكون مُدويًا على الإقتصاد.

من هذا المنطلق تأتي خطوة خصخصة بورصة بيروت (قانون إنشاء هيئة الأسواق المالية) لتُشكّل نقطة تحوّل في تمويل الإقتصاد. فالمشروع الذي يمضي به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لحلّ مُشكلة تمويل الإقتصاد ينصّ على إنشاء منصّة إلكترونية (ETP – Electronic Trading Platform) والتي هي عبارة عن منصّة إلكترونية يتمّ إدراج أدوات مالية عليها من عملات، معادن، أسهم، عقود آجلة، عقود خيارية لكن أيضًا

سيكون من المُمكن أخذ وضعيات قصيرة (short selling) وهو ما يُعتبر أساسي في تطور الأسواق المالية.

المُستفيد من هذه المنصة هو الإقتصاد اللبناني بالدرجة الأولى بكل مكوناته من شركات ناشئة، إلى المُستثمرين مرورًا بمالية الدوّلة والمواطنين:

الشركات الناشئة: هذه الشركات ذات قدرات النمو العالية ستتمكّن من إدراج أسهمها على هذه المنصة مقابل شروط أقل تشدّدًا مما هي عليه شروط الإدراج على بورصة بيروت حاليًا. وبالتالي ستتمكّن من التمول عبر بيع أسهمها لمستثمرين لبنانيين وأجانب. الجدير ذكره أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تُشكل أكثر من 9

المُستثمرين: إن العائدات على الإستثمارات في لبنان هي من الأعلى عالميًا. هذا القول ليس بتنظير إذ يكفي معرفة حجم الإستيراد (20 مليار دولار أميركي سنويًا!) لكي يقتنع المُستثمر بأن إستثماره في الشركات المُدرجة على المنصة سيعود عليه بعائدات أعلى من العائدات في العديد من الدول المُتطوّرة ولكن أيضًا في الدول في طور النمو. ومع الرقابة القوية من قبل هيئة الأسواق المالية سترتقي سريعًا هذه المنصة إلى مصاف البورصات الحديثة.

الدوّلة: إن تنشيط الدورة الإقتصادية وخلق فرص العمل سيزيد الناتج المحلّي الإجمالي ومعه عائدات الضرائب ما سيُريح المالية العامة. والأهم أنه عند إستخراج الغاز والنفط من البحر والبر في لبنان، سيكون من المُمكن إدراج عقود النفط والغاز على هذه المنصة مما سيزيد من سيولتها وبالتالي الطلب على الغاز والنفط اللبناني.

كل هذا سيُعيد إلى بيروت وزنها على ساحة الأسواق المالية الذي خسرته لصالح بعض البورصات الإقليمية. أيضًا مع الثقة الهائلة التي يتمتّع فيها مصرف لبنان والقطاع المصرف اللبناني كما وأجهزة الرقابة المالية التابعة لمصرف لبنان، من المتوقّع أن تتداول محطات التلفزة العالمية في نشراتها الإخبارية أنشطة المنصة بشكل يومي.

في 21 الجاري، أطلق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بصفته رئيس هيئة الأسواق المالية منصّة التداول الإلكترونية في لندن وذلك بحضور حشد كبير من المصرفيين والمؤسسات الإستثمارية العالمية. هذا الإطلاق أتى على خلفية فضّ العروض الذي تقدّمت فيه ثلاثة مجموعات (Consortium) والذي أفضى إلى منح رخصة التشغيل إلى مجموعة بنك عودة وبورصة أثنيا.

الطريقة التي تمّ فيها فض العروض أعطت لونًا خاصًا لهذه العملية إذ تميّزت بشفافية مُطلقة مع حضور ممثلين عن المجموعات الثلاث وعدد من المراقبين.

نعم لقد نجح رياض سلامة بتحقيق حلم لبناني بأيدي لبنانية أتت نتيجة ثلاث سنوات من العمل الدؤوب. حلم سيكون له ترجمة قريبًا في الحياة اليومية للبنانيين.

Print Friendly, PDF & Email
Source جريدة الشرق الجريدة