Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

شرارة اعتداءات السفن تهدد أمن الملاحة في مياه الخليج

خبراء: تكرار الأعمال التخريبية يشكل ضغوطا على التمويل والحركة التجارية بالمنطقة

 الإندبندنت العربية | غالب درويش

مع إثارة القلاقل بمنطقة الخليج العربي من حين لآخر، تبرز تساؤلات عدة حول التأثير السلبي المتوقع على اقتصادات المنطقة، ومدى القدرة على استيعاب الآثار الناجمة. وقال خبراء ومختصون، لـــ”إندبندنت عربية”، إن تأثيرات الأحداث الحالية ليست بالكبيرة، ولكن تكرارها قد يخلق ضغوطاً على حكومات الخليج من أجل تأمين صادرات تصل إلى نحو 20 مليون برميل يوميا من النفط الخام إلى العالم، ويهدد مصدر الإيرادات الأكبر بالمنطقة.

وعاد التوتر الأمني صباح الخميس بشدة إلى منطقة الخليج، إذ أفادت مصادر عُمانية عن دويّ انفجارين كبيرين استهدفا ناقلتي نفط في خليج عمان، بينما أعلنت “هيئة السلامة البحرية البريطانية” أن التحقيق جارٍ بشأن هجوم محتمل في المنطقة ذاتها، داعيةً إلى توخي الحذر الشديد.

وعلى وقع تصاعد شرارات التوتر في منطقة تعدّ الأهم على صعيد قطاع الطاقة في العالم، تتجه الأنظار إلى ذلك الشريط الضيّق من المياه بين إيران وسلطنة عُمان، الذي يمرّ عبره قرابة 18 مليون برميل نفط يومياً، وهو ما يمثل 3

وأُفيد بأن إحدى السفينتين المستهدفتين اشتعلت فيها النيران في خليج عُمان الواقع عند مدخل مضيق هرمز وترفع علم جزر مرشال واسمها “فرونت ألتير”، وذكر مالكوها أنها تعرضت للاستهداف مرتين في خلال 3 ساعات، ونفوا ما سرّبته وسائل إعلام إيرانية عن غرقها.

وأصدرت البحرية النرويجية بياناً جاء فيه أن الناقلة “فرونت ألتير”، المملوكة لمجموعة “فرونتلاين”، “تعرضت لهجوم صباح الخميس في خليج عُمان بين الإمارات وإيران، وسُمع دويّ ثلاثة انفجارات على متنها”، مؤكدة عدم إصابة أي عنصر من الطاقم بجروح. وأشارت إلى أن النيران اشتعلت في الناقلة البالغة زنتها نحو 110 آلاف طن، فيما وصلت فرق الإغاثة إليها.

التأثير سيطال الجميع

في هذا الإطار، اعتبر جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي والاستراتيجي والأستاذ في الجامعة اللبنانية، أن “تأثير تكرار الحوادث، مثل استهداف ناقلتي النفط في خليج عُمان، سيطال معظم اقتصادات العالم، لا سيّما وأن تأثيره الأكبر سيكون على أسواق النفط، باعتبارها عنصرا أساسيا وأكثر من ضروري لنمو الاقتصاد العالمي، نظرا لما لها من تأثير على وفرة الإمدادات”.

وأضاف عجاقة أن “جميع دول منطقة الخليج ستتأثر سلباً بلا استثناء نظراً لأن أغلبية الثروة النفطية تقع على الخليج العربي، ويمرّ عبر مضيق هرمز والذي يعدّ من الممرات المائية المهمة والاستراتيجية بالعالم لتجارة النفط معظم صادرات الخام من السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، وجميعها دول أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، كما يمرّ من المضيق أيضا كل إنتاج قطر تقريبا من الغاز الطبيعي المسال، والتي تعتبر أكبر مُصدر له في العالم”.

و”الحادثة التي تعتبر الثانية تأتي بعد شهر واحد من حادث مماثل تعرضت له أربع ناقلات في المنطقة، فيما يعتبر تكرارها إشارة سيئة لتصعيد مستقبلي ذي تأثير أكبر، وتأتي ضمن حسابات جيوسياسية كبيرة وجزء من اللعبة السياسية التي تدور في المنطقة”، بحسب عجاقة.

ورداً على الأقاويل الخاصة بأن المنطقة أمام حرب ناقلات، قال عجاقة إنه “ليس بالضرورة أن يكون هذا السيناريو وارداً لأنه جاء نتيجة إلى توازن سياسي معين فرض مثل تلك العمليات التخريبية”، متوقعاً أن “تقوم سفن حربية بمرافقة الناقلات العملاقة التي كانت تحمل النفط الخام من الخليج العربي لتأمينها وتفادي مثل تلك الحوادث، إلى جانب تكليف الأسطول الأميركي الخامس المتمركز في البحرين بحماية السفن التجارية في المنطقة”.

وقبل 35 عاما، اندلعت أطول حرب خلال القرن الماضي استمرت ثمانية أعوام بين إيران والعراق اللذين سعيا خلال حربهما إلى عرقلة صادرات نفط البلد الآخر، فيما عُرف في ذلك الوقت بـ”حرب الناقلات”.

في المقابل، يرى عجاقة أن “تلك الحوادث لن تؤثر على جاذبية دول منطقة الخليج للاستثمارات الأجنبية باعتبارها منطقة حيوية عالمياً، ولكنها قد تحتاج إلى إجراءات احترازية وتحوّطية أكبر، على اعتبار أن سوق النفط في المنطقة ستظل مهمة للاقتصاد العالمي”.

وأضاف أنه “من الطبيعي أن ترتفع مستويات المخاطر الاقتصادية في المنطقة لتصبح من المناطق عالية المخاطر، والتي تفرض عليها شركات التأمين تكاليف إضافية إلى جانب زيادة أجور النقل”.

تهديد لاستقرار الأسواق

وفي هذا الصدد، قال محمد الشطي، خبير الشؤون النفطية، إن “أي تأثير مباشر على حركة التجارة من الخليج العربي إلى الأسواق حول العالم يشكل تهديدا لاستقرار الأسواق وأمن الطاقة ويغذي مخاوف إمدادات النفط غير المنتظمة، ما يزيد الضغوط على أسعار النفط”، منوهاً بأن “تكرار الحوادث يؤثر على أسواق المال في الخليج ويزيد مخاوف المستثمرين الأجانب، ولذلك تقع مسؤولية كبيرة على كافة الأطراف والمجتمع الدولي بالتزام الحذر وضبط النفس لمصلحة استقرار وانتعاش المنطقة”.

جميع دول منطقة الخليج ستتأثر سلباً بلا استثناء نظراً لأن أغلبية الثروة النفطية تقع على الخليج العربي (أ.ف.ب.)

وأكد أن “اتساع رقعة التطورات يمثل تحديا أمام دول المنطقة كافة، والتي لديها خطط تنموية للارتقاء بشعوبها واقتصاداتها واجتذاب الاستثمار وتشجيع التوسع في الصناعة والتجارة والسياحة، مما يهدد مصالح شعوب المنطقة والمجتمع الدولي الذي يعتمد في نهضته إلى حد كبير على الطاقة من منطقة الخليج، والتسبب في تهديد الأمن العالمي ليس في مصلحة أحد”.

وأفاد الشطي بأن “أسعار النفط انخفضت بمقدار دولارين أمس الأربعاء نتيجة ارتفاع المخزون النفطي الأميركي وضعف في المؤشرات الاقتصادية، إلا أن تجدّد استهداف الناقلات النفطية في أهم مضيق مائي من خليج عمان أسهم في رفع أسعار النفط بنسبه

وذكر أن “تكرار الحوادث يرفع تأثير العامل الجيوسياسي ويرفع أسعار النفط، لكن استمرار التحميل وحركة النقل التجاري البحري من الخليج إلى الخارج مع وجود تطمينات من المنتجين تضمن الأريحية للأسواق، وتضمن عدم وجود قفزات في أسعار النفط إلى مستويات غير متوقعة”.

وتابع الشطي “حالياً الأسواق في حالة ترقب، ولكن: هل ستتكرر الحوادث، وما هي ردة المجتمع الدولي للحوادث، ومَنْ وراء الحوادث، وهل ستتسع الحوادث أو تبقى ضمن حدود ضيقة ولا تؤثر على حركة التجارة؟ هذه التطورات ستحدّد مسار الأسعار وحجم الأضرار على اقتصادات المنطقة”.

ويرى الشطي أن “الأمور بخير والمؤشر على ذلك هو تناقص في المكاسب التي حققتها الأسعار والارتفاعات مع وضوح التطورات بعد استهداف الناقلتين وحجم التأثير”.

وقال إنه “في الأقل في غياب أي انقطاع للإمدادات من الخليج العربي، الممر الاستراتيجي الأهم للعالم، حيث يقدر حجم التحميل ما بين 17- 20 مليون برميل يوميا، فإن الأسعار بالنسبة إلى نفط خام برنت تتأرجح بين 60– 75 دولارا للبرميل”.

الأمور لا تزال تحت السيطرة

وفي نفس السياق، قال الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، إن “الأمور لا تزال ليست بالكبيرة وتحت السيطرة، خصوصا أن العمليات لم تستهدف ناقلات البضائع، إنما الأعمال قاصرة على ناقلات النفط”، لافتا إلى أن “العمليات التخريبية ستزيد من تكلفة التأمين على ناقلات النفط الخليجي، وقد تكون عائقاً أمام جذب الاستثمارات الأجنبية مع تصعيد العمليات من حين لآخر”. وأوضح رمضان أن “العمليات قد لا تتوقف طالما هناك عقوبات على إيران، واستمرار التوتر في المنطقة “.

تنامي المخاطر الجيوسياسية

وعلى ذات الصعيد، قال محمد مهدي، الخبير الاقتصادي، إن تعدد حوادث استهداف ناقلات النفط بالقرب من أهم المضائق العالمية، مثل “هرمز” و “باب المندب”، يرفع من درجات المخاطر الجيوسياسية التي تواجهها اقتصادات دول الخليج.

ويرى أن “هناك تطور نوعي في عمليات الاستهداف من قوارب صغيرة ومراكب كما حدث قرب ميناء الفجيرة سابقا، إلى الحادث الكبير الراهن من تدمير ناقلة نرويجية قيمتها السوقية تقارب 1.2 مليار دولار”.

ولفت إلى أن “هذا الحادث يعتبر مؤشرا مؤثرا، حيث سيرفع من مستويات الحذر والمخاطرة وتكاليف التأمين للناقلات النفطية العابرة في تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم، وهو ما يزيد من حساب مخاطر التدفقات الاستثمارية التي تتوجه إلى منطقة الخليج”.

وبيّن الخبير الاقتصادي أنه “لا يمكن استثناء أي من دول الخليج من التأثر المباشر على اقتصاداتها جرّاء تصاعد العمليات التخريبية، وستكون درجة التأثير على حسب ارتباط كل دولة بتلك الحوادث التي قد تظهر كلما زاد الضغط الاقتصادي على إيران”.

وأوضح أن “حادثة الفجيرة كانت عقب إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وحادث خليج عمان كان مباشرة عقب فرض عقوبات أميركية على قطاع البتروكيماويات الإيراني”، ويتوقع مهدي أن “تستمر الأزمة وسط صعوبة التوصل لاتفاق عبر الطرق الدبلوماسية”، لافتا إلى أنه “يصعب حصر تأثيراتها الاقتصادية إلا بعد جلاء جزء كبير من المشهد المتعلق بإيران على وجه التحديد”.

تكلفة التأمين على الديون

من جانبها، قالت ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية في مذكرة بحثية هذا الأسبوع إن “تصاعد التوترات الدبلوماسية والعسكرية إلى حدّ يُهدد بإغلاق المضيق قد يؤدي إلى زيادة تكاليف تمويل حكومات دول الخليج وإلى اضطرابات في الاستثمار الأجنبي المباشر”، لكن الوكالة لم تغير تصنيفها أو نظرتها المستقبلية لحكومات دول الخليج العربية.

ناقلتا النفط لليابان

من جهتها، أعلنت وزارة التجارة اليابانية، الخميس، أن ناقلتي النفط اللتين تعرضتا لهجوم بالقرب من مضيق هرمز، كانتا تحملان شحنات تتعلق باليابان، ويأتي هذا الإعلان، في وقت يستعد فيه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، لإنهاء زيارة إلى طهران استمرت يومين، جاءت في إطار جهود الوساطة الرامية تخفيف التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة.

الكويت مستعدة لأي طارئ

إلى ذلك، أكدت شركة ناقلات النفط الكويتية، أن “ناقلات النفط الكويتية تسير بشكل طبيعي ومستعدون لأي طارئ”، وقالت الشركة في بيان نقلته وكالة الأنباء الكويتية الرسمية “كونا” إنها اتخذت كل الإجراءات والتدابير الاحترازية الأمنية اللازمة لضمان التشغيل الآمن لأسطولها البحري.

وأضافت أن أسطول الشركة البحري لم يتأثر بالحوادث الأخيرة المؤسفة التي وقعت في خليج عمان والمنطقة، ولا سيّما الحادث الذي تعرضت له ناقلتان بحادثين منفصلين اليوم الخميس، لافتة إلى أنها تتابع تلك الحوادث مع الجهات العالمية البحرية المعنية بهذا الشأن.

وأوضحت أنها تقوم بدورها على أكمل وجه ولديها أسطول ناقلات نفط وغاز حديث على أعلى مستوى ويتوافق مع مواصفات الصحة والسلامة العالمية.

يُذكر أن أربع سفن شحن تجارية تعرّضت لـ”عمليات تخريبية” في المياه الإقليمية الإماراتية قبالة إيران في 12 مايو (أيار) الماضي وسط تطورات متسارعة وحرب كلامية بين إيران والولايات المتحدة على خلفية تشديد واشنطن العقوبات على طهران باتخاذها إجراءات لتصفير تصدير نفطها، وعقوبات أخرى على قطاعات التعدين والحديد والصلب في إيران. ولم ينتج عن العمليات التخريبية أي أضرار بشرية أو إصابات، كما لم تتسرب أي مواد ضارة أو وقود من السفن.

Print Friendly, PDF & Email
Source الإندبندنت