Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الحريري ينتقد المماطلة في الموازنة والأسواق قلقة من تحميل المركزي عجز الموازنة

الديار | بروفسور جاسم عجاقة

إستعادت الحياة السياسية نشاطًا مُلفتًا مع عودّة رئيس الحكومة سعد الحريري من فرنسا. فقد أدّت زيارة الحريري البارحة إلى قصر بعبدا إلى تخفيف التوتّر الذي شهدته العلاقات بين التيارين الأزرق والبرتقالي على خلفية قرار المحكمة العسكرية في قضية الحاج غبش ولكن أيضًا التصاريح التي نُسبت إلى وزير الخارجية جبران باسيل وقضية الإرهابي عبد الرحمن مبسوط. وهذا الأمر مهّد إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل حيث سيتمّ إثارة العديد من المواضيع وعلى رأسها مواقف الرئيس الحريري في قمة مكّة المكرّمة ومبدأ النأي بالنفس كما وملف التعيينات الذي سيبدأ من باب المجلس الدستوري. ومن المتوقّع أن تشهد المناقشات على هذين الملفات سخونة عالية بين مكونات الحكومة.

في التوازي تستمرّ لجنة المال والموازنة في دراسة مشروع موازنة العام 2019. وقد طالت المناقشات الفصول الأولى والثانية والثالثة وحتى الرابعة وتمّ تأخير البت في عدد من المواد إلى حين الإستماع إلى الوزراء المعنيين. وتعيش الأسواق المالية في ظلّ مخاوف من أن تعمد القوى السياسية إلى تحميل مصرف لبنان الجزء الأكبر من عجز الموازنة مع التوقعات بتعديل مُعظم البنود التي تطال العسكريين والقضاة.

عودة الحريري

شكّلت عودة الرئيس الحريري نقطة إنعطاف على ساحة سياسية عاشت على وقع خلافات حادّة بين القوى السياسية. هذه الخلافات وصلت إلى حدٍ هدّدت فيه التسوية الرئاسية وحتى إستمرارية الحكومة لولا اللقاء الذي جمع البارحة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري حيث تمّ غسل القلوب كما والتوافق على تمرير هذه المرحلة الصعبة. على هذا الأساس تُعقد الأسبوع المقبل جلسة لمجلس الوزراء في السراي الحكومي وعلى جدول أعمالها العديد من النقاط وعلى رأسها أربعة ملفات أساسية يُمكن أن تُشكّل نقطة خلاف بين مكونات الحكومة:

الأول هو مواقف الرئيس الحريري في قمّة مكّة المكرّمة والتي يعتبرها حزب الله خروجاً عن مبدأ النأي بالنفس الذي توافقت عليه القوى السياسية. وعلى هذا الصعيد كان للرئيس الحريري موقف جريء البارحة في مؤتمره الصحافي حيث قال إنه رئيس الحكومة اللبنانية ويُعبّر عن موقف لبنان الرسمي وأن خطابه في قمّة مكّة في المملكة العربية السعودية هو تعبير عن موقف لبنان الرسمي. وإذا كان من المتوقّع أن يكون هناك إصطفاف عامودي داخل مجلس الوزراء، إلا أن موقف التيار الوطني الحرّ سيكون ضبابيًا من ناحية أنه سيدّعم حليفه حزب الله، لكن في نفس الوقت لا يُريد إضعاف شريك أساسي في التسوية الرئاسية لما في ذلك من تداعيات على العمل الحكومي وبالتالي على الاقتصاد اللبناني في ظل ظروف صعبة تعبرها المالية العامّة.

الملف الثاني هو ملفّ التعيينات والذي تظهر فيه بوادر مواجهة قوية بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية التي عبّر رئيسها الدكتور سمير جعجع البارحة يوم الإثنين الماضي بقوله «ما للمسيحيين هو للمسيحيين تعني للمسيحيين ولا تعني أن ما للمسيحيين هو لباسيل»، وطالب بإعتماد آلية التعيينات التي أقرّها مجلس الوزراء. لكن هذه المواجهة ليست الوحيدة، فالتيار الوطني الحرّ والمستقبل على موعد المواجهة على بعض وظائف الفئة الأولى التي كانت تقليديًا تحت تأثير التيار الأزرق.

الملف الثالث يتعلّق بمواقف بعض الوزراء من التيار الوطني الحرّ من حادثة طرابلس وبالتحديد عملية التحقيق مع الإرهابي مبسوط حيث كان لوزير الدفاع الياس بو صعب موقف إعتبره التيار الأزرق ومن خلفه مناصروه إستهدافاً لقوى الأمن الداخلي ومديرها اللواء عثمان. وهذا ما إعتبره الرئيس الحريري في مؤتمره الصحفي «تطاولاً على المؤسسات الأمنية». هذه المواقف ستنسحب حكماً على جلسة الأسبوع المقبل التي ستشهد سجالا حول هذه النقطة.

الملف الرابع يتعلّق بالنزوح السوري والمواقف التي أطلقها التيار الوطني الحرّ. وهذا الملف يُشكّل إنقساماً عامودياً بين مكونات الحكومة، من هنا أتت دعوة الرئيس الحريري إلى حوار بين رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة لكي يتمّ الاتفاق على الخطوات الواجب إتخاذها. من هذا المُنطلق، من المتوقّع أن تتمّ مناقشة هذا الملف الأسبوع المقبل في مجلس الوزراء من دون التوصّل إلى خطوات عملية. الجدير ذكره أن كلفة النزوح على لبنان أصبحت عالية وهناك مخاوف لدى البعض من إستمرار النزوح إلى ما لا نهاية.

بالطبع الخلاف على هذه الملفّات سيؤدّي إلى تعطيل كامل للحكومة في حال شهدت المناقشات تصعيدًا عاليًا، إلا أنه من المتوقّع أن تبقى مستوى المواجهات تحت سقف الحفاظ على العمل الحكومي مما يعني تأجيل البتّ بالملفات الخلافية التي تتطلّب قرارات (التعيينات) وتفادي إثارة الملفات التي لها طابع ميثاقي (موقف الحريري في قمّة مكّة ومقف الوزير بو صعب من حادثة طرابلس) لأن العكس سيكون كارثيًا على الاقتصاد وعلى المالية العامّة خصوصًا أن الحكومة في صدد فتح عدد من الملفات الاقتصادية والإصلاحية الهامّة.

الملفات الإقتصادية

من أهمّ الملفات التي تنتظر العمل الحكومي مشاريع مؤتمر سيدر، خطّة ماكينزي، وعودة السياح والإستثمارات الخليجية، ومشروع موازنة العام 2020. ويأتي إدراج هذه البنود على سلم أولويات مجلس الوزراء من منطلق أن الحريري يعتبر أن لبنان يمرّ في مرحلة اقتصادية صعبة.

على صعيد مؤتمر سيدر، إنتقد الرئيس الحريري في مؤتمره الصحفي التأخر في إقرار الموازنة وقال بلغة تهديد « الموازنة يجب أن تمشي ويجب أن نحافظ على نسبة العجز التي تم التوصل اليها، وهذه أول خطوة اصلاحية، وإذا كنتم تريدون المناكفة أنا أعرف كيف أناكف أيضًا». وأضاف أن من لديه إقتراحات لموازنة العام 2020 فليتقدّم بها. الجدير ذكره أن بدء وصول أموال المقرضين في مؤتمر سيدر إلى لبنان مشروط بإقرار موازنة تُقلّل من نسبة العجز إلى ما دون الـ

على صعيد خطّة ماكينزي، ستعتمد الحكومة اللبنانية هذه الخطّة كنقطة إنطلاق أساسية لوضع خطّة إقتصادية للبنان تُحوّل الاقتصاد اللبناني من إقتصاد ريعي إلى إقتصاد مُنّتج كما يُشدّد عليه رئيس الجمهورية في تصاريحه عن الوضع الاقتصادي. وإذا كانت الخطّة التي وضعتها ماكينزي هي خطّة علمية بحت، سيكون على مجلس الوزراء أخذ الإقتراحات التي تتماشى مع الواقع اللبناني (لبننة الخطّة) على أن تكون مشاريع مؤتمر سيدر المنوي القيام بها عاموداً أساسياً لهذه الخطّة بحكم أن لا إقتصاد متطوّراً يُمكن أن يُبنى بدون بنية تحتية مُتطّورة.

على صعيد عودة السياح والإستثمارات الخليجية، يهدف الرئيس الحريري إلى إقرار عدّد من الخطوات التي تُحفز عودة السياح الخليجيين ولكن أيضًا الإستثمارات الخليجية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة السورية. على هذا الصعيد ينسب البعض تصريح الرئيس الحريري أول من أمس عن أن العلاقات بين لبنان مع الدول العربية «غير خاضعة لمزاج البعض» تصب في خانة التصويب السياسي لمواقف بعض الفرقاء حتى لا يكون هناك ردّات فعل إقتصادية تضرّ بالإقتصاد اللبناني. ومن بين الخطوات التي يسعى الحريري إلى إقرارها، إلتزام الفرقاء السياسيين بعدم التعرّض الكلامي للمملكة العربية السعودية ولكن أيضًا إجراءات في مطار بيروت، تسهيلات إدارية للقادمين إلى لبنان من سياح ومستثمرين…

أمّا فيما يخص مشروع موازنة العام 2020، فإن هذا الملف يظهر كنقطة إمتصاص للإنتقادات التي تطال مشروع موازنة العام 2019 وتعتبر كنوع من إستيعاب لهذه الإنتقادات بهدف عدم تعطيل موازنة العام 2019. لكن السؤال الأساسي: كيف يُمكن بحث هذا الملف من دون إقرار خطّة إقتصادية بحكم أن الموازنة هي ترجمة للخطّة الاقتصادية وإذا ما أردنا القيام بخطوات إصلاحية إقتصادية يتوجّب إقرار الخطة الاقتصادية قبل بحث موازنة العام 2020.

مخاوف في الأسواق

على صعيد موازٍ، تستمرّ لجنة المال والموازنة في دراسة مشروع موازنة العام 2019 مع جلسات يومية مكثّفة بلغت حدود الفصل الرابع في المشروع مع تعليق دراسة العديد من البنود بإنتظار بحثها مع الوزراء المعنيين وعلى رأسهم وزيرة الطاقة والمياه.

وتُفيد مصادر إلى أن هناك توجّهاً إلى إلغاء البنود المُتعلّقة بصندوق التعاضد للقضاة كما أكده الرئيس الحريري البارحة على إثر لقائه رئيس الجمهورية بقوله «الدولة مجبرة أن تعطي القضاء ما يريده في صندوق التعاضد لأن هذا يؤمن استقلالية القضاء»، أيضًا هناك إتجاه لدى الكتل النيابية لتعديل البنود التي لها علاقة بالعسكريين. وبحسب المعلومات يُخطط العسكريون المتعاقدون لتحرّكٍ كبيرٍ غير مسبوق في حال لم يلمسوا توجّهًا جديّا لتعديل بنود الموازنة التي تتضمّن اقتطاعاً من مخصّصاتهم. وقد يكون وقع هذا التحرّك، الذي يهدف إلى شلّ عدّد من المرافق الحيوية، الضغط على لجنة المال والموازنة لتعديل هذه البنود.

أما على صعيد أساتذة الجامعة اللبنانية، فيظهر من تصريح الرئيس الحريري أن الأوضاع لم تُحلّ حتى الساعة عبر قوله «لا يحق لأساتذة الجامعة أن يضربوا لأنّ ليس هناك أي بند في الموازنة يمس بهم وهذه التظاهرات معيبة بحقهم».

وإذا كان عمل لجنة المال والموازنة يلقى تجاوبًا «إيجابيًا» من قبل النواب المشاركين، تظهر مُشكلة قطع الحساب التي أثارها النائب حسن فضل الله والتي ستودّي حكمًا إلى تعطيل طريق الموازنة في المجلس النيابي خصوصًا إذا ما أصر حزب الله على إقرار الواحد والعشرين قطع حساب عن السنين السابقة (من 1997 إلى 2017).

إلا أن الخطر الأكبر الذي تتخوّف منه الأسواق المالية وأوساط رجال الأعمال يبقى خطّر تحميل المصرف المركزي أعباء عجز موازنة العام 2019.

فالمعلومات تُشير إلى أن هناك توجّهاً من بعض الكتل النيابية إلى تحميل مصرف لبنان عبء خدمة الدين العام بعد الرفض الرسمي للمصارف التجارية بالمشاركة في عملية إقراض للدولة بقيمة 11 ألف مليار ليرة لبنانية بفائدة

بمعنى أخر، تتوجّه الكتل النيابية إلى تحميل مصرف لبنان منفردًا كلفة هذا القرض مما يعني تحميله عبئاً قد يصل إلى 2.3 مليار دولار أميركي وهذا سيُشكّل إشارة سلبية جدًا في الأسواق المالية لما في ذلك من إضعاف لقدرة مصرف لبنان على القيام بمهامه أي الحفاظ على الليرة اللبنانية، دعم الاقتصاد اللبناني ودعم القطاع المصرفي.

وفي التفاصيل، يبلغ مُعدّل الفائدة على خمس سنوات في الأسواق 13.

وتُشير توقّعات ستاندرد أند بورز إلى أن العجز الذي ستُحققه موازنة العام 2019 هو 1

Print Friendly, PDF & Email
Source الديار الجريدة