Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

مليارات الدولارات “الضائعة” أهملتها الموازنة

موقع القوات اللبنانية | أمين القصيفي

نجحت الحكومة بعد مخاض استمر نحو سبعة أشهر في إقرار موازنة العام 2019، بـ99 مادة، حققت فيها خفضاً ملحوظاً في العجز بلغ 7.9

ومما لا شك فيه أن هذا الرقم يعطي إشارات إيجابية إلى المجتمع الدولي والدول والصناديق المانحة، ويلبّي “شروطها”، والدليل مسارعة ممثل الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش إلى الترحيب بإنجاز الموازنة، التي “تتيح الفرصة لاتخاذ تدابير أولية لخفض العجز”، بحسب تعبيره. بالإضافة إلى تخفيض مؤشر “آي.اتش.اس ماركت” تكلفة التأمين على دين لبنان لخمس سنوات 23 نقطة أساس إلى 847 نقطة أساس بعد موافقة الحكومة على الموازنة.

الموازنة التقشفية مع نسبة العجز المنخفضة تسهّل الطريق أمام تسييل مليارات مؤتمر “سيدر” لتمويل مشاريع البنى التحتية، ما يسمح بضخ الانتعاش في الاقتصاد اللبناني ويخفّف من حالة الاختناق التي بلغها. لكن الـ7.5

منها: الاتصالات، وعائدات المرافئ الرئيسية، والمطار، والمعابر البرية، والأملاك البحرية والنهرية، والتهرّب الضريبي والجمركي وغيرها، التي كان يمكن أن تحقق دخلاً لخزينة الدولة بمليارات الدولارات وأن تخفض العجز أكثر، في ما لو “تجرأت” الحكومة واتخذت قراراً بالتصدي لمزاريب الهدر والفساد بشكل قاطع.

الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة يعتبر أن “إقرار الموازنة إنجاز كبير لناحية خفض العجز. فتخفيض

ويشير، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الالكتروني، إلى أن “اللافت أنها المرة الأولى التي يدفع السياسيون أنفسهم، أو يساهمون في دفع الكلفة بهذا الشكل، عبر اتخاذهم القرار بوقف التوظيف، الذي يشكل الأداة السياسية الأساسية لبناء الزعامات في لبنان. وبذلك تكون الطبقة السياسية قد ساهمت فعلاً في دفع الكلفة”.

لكن عجاقة يرى أنه “كان يمكن تحقيق أكثر من ذلك بكثير. وأن الموازنة تفتقد إلى مسألتين أساسيتين: خطط واضحة لمكافحة الفساد والهدر، وغياب الخطة الاقتصادية. وتبقى الآمال معلقة على موازنة 2020 كي تأخذ في الاعتبار الاصلاحات والمعالجات الأساسية في مواقع عدة”.

ويوضح أنه “في الشق المتعلق بالأملاك البحرية والنهرية وسكك الحديد مثلا، ما يحصل غير معقول وغير مقبول، والمستفيدون ليسوا المواطنين العاديين، بل هم أصحاب النفوذ في البلاد، وهم معروفون”. ويضيف أنه “لا يمكن ترك هذا الموضوع من دون معالجة، وهنا حصل تقصير فاضح من قبل الحكومة. فالتعدي على الأملاك البحرية يبلغ أكثر من 5 مليون متر مربع، والأملاك النهرية 25 مليون متر مربع، ولو وضعنا 100 دولار على المتر المربع كبدل إشغال سنوي مثلا، وعائداته أضعاف مضاعفة، نحصّل سنوياً 3 مليار دولار”.

ويؤكد أن “هناك مشكلة كبيرة على هذا الصعيد، ولا يعقل ولا يجوز السكوت عن هذا الموضوع وإهماله. هذا بالاضافة إلى التعديات على سكك الحديد بمئات آلاف الأمتار المربعة”. ويشدد على “ضرورة أن تباشر الحكومة بالتصدي لقضية الاعتداء على الأملاك البحرية والنهرية وسكك الحديد، والأملاك العامة بشكل عام، منذ اليوم، وأن تعالجها في موازنة 2020 التي ستباشر العمل عليها قريباً”.

أما في ما يتعلق بالتهريب الجمركي، يشير عجاقة إلى أن “المشكلة هنا لا تقل حجماً، والأمر يحصل في مواقع محددة ومعروفة، خصوصاً في مرفأي بيروت وطرابلس، والمطار، وعلى الحدود البرية. وصحيح أنهم كلفوا المجلس الأعلى للدفاع بمعالجة التهريب عبر المنافذ البرية غير الشرعية التي تفوق 140 معبراً، لكن هذا لم يتم ترجمته أرقاماً في الموازنة لإظهار مدى الجدية في معالجة هذا الأمر”.

ويتابع: “الأمر نفسه بالنسبة لموضوع التهريب الجمركي في مرفأ بيروت. بل إن التداعيات المالية هنا أخطر وأكبر بكثير من المعابر البرية. وصحيح أن الجمارك اتخذت اجراءات معينة لمكافحة هذا التهريب، لكن أيضا، لم يتم ترجمة الأمر في الموازنة على شكل أرقام، ما يعني ألا شيء يلزم الحكومة بالتطبيق”.

ويكشف عجاقة عن أن “التهرّب الضريبي في لبنان يبلغ نحو 4.2 مليار دولار سنوياً، من ضمنه ما بين المليار والمليار ونصف دولار تهريب جمركي في مرفأ بيروت فقط، ما عدا التهريب الجمركي القائم في مرفأ طرابلس الذي يشهد حركة نشطة تصاعدية في دخول وخروج البواخر المحملة بمختلف أنواع البضائع. بالإضافة إلى التهريب الحاصل في المطار”.

ويلفت الانتباه إلى “تهريب جمركي من نوع مختلف على صعيد تسجيل البضائع. فالتسجيل عبر الاستمارات الورقية يفتح الأبواب على شتى الاحتمالات. فيمكن مثلا تسجيل بضائع معينة باهظة الثمن على اسم بضائع أخرى زهيدة، وتخف بذلك حكماً الضريبة المفروضة عليها والأموال التي تحصّلها الخزينة”.

ويوضح أن “عدم اتخاذ الحكومة قراراً بفرض تسجيل البضائع إلكترونياً وفورياً، يرتّب خسار سنوية هائلة. وصحيح أن هذا القرار يمكن أن تتخذه الحكومة من دون الموازنة، لكن ما لم يترجم بالأرقام داخل الموازنة، يعني لا إلزامية تفرض على الحكومة التقيّد”. ويؤكد أن “تركيب جهاز سكانر في المرفأ للكشف على البضائع، يعود بفائدة مالية على الخزينة تقارب المليار دولار سنوياً”.

وإذ يشير إلى أن “الموازنة تتضمن بعض الخطوات الجيدة على صعيد مكافحة التهرّب الضريبي، مثل الطلب من البلديات كافة تسجيل الشركات والمؤسسات التجارية في نطاقها، وهي خطوة جيدة، وكذلك الإعفاءات من بعض الغرامات، ما يشجع المواطنين والشركات على تسوية أوضاعهم والعودة إلى كنف القانون”، يعود عجاقة ليشدد على أنه “كان بالإمكان الذهاب أبعد من ذلك بكثير، على صعيد الإجراءات والخطوات لمكافحة الفساد والهدر، عبر مكننة القطاع العام وتحقيق الحكومة الإلكترونية، ما يؤمن مبالغ هائلة لخزينة الدولة، ويساعد بشكل فعال على مكافحة مكامن الرشوة والفساد والهدر بكافة أشكالها”.

Print Friendly, PDF & Email
Source القوات اللبنانية