Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

عصبيّتان لبنانية وسورية في تصاعد… هل يُتدارك الأمر قبل الانفجار؟!

النهار | أسرار شبارو

“الشعب قرر مقاطعة كل المحلات والمطاعم التي تطرد اللبناني وتوظف اجانب”، هو مضمون صفحة “اتحاد الشعب اللبناني” على” فايسبوك” التي تعتبر نموذجاً عن نقمة بدأت تزداد مع الايام من قبل اللبنانيين، مهددة بانفجار التعايش بين الشعبين اللبناني والسوري، والذي صمد نحو خمس سنوات منذ بدء النزوح السوري هرباً من الحرب.

الصفحة ليست سوى صدى لعدد من الاجراءات التي اتخذت من قبل بلديات في أكثر من منطقة لبنانية وتهدف الى ما تسميه حماية لقمة عيش اللبناني ووجوده.

 أفران شمسين، مطعم دجاج وتوم، وغيرهما من المؤسسات التي طاولتها سهام الاتهامات بطرد العمال اللبنانيين واستبدالهم بسوريين، انطلقت الحملة من اجل مقاطعتها. فهل ستشتد عاصفة المعارضين اللبنانيين والى أي درجة ستصل؟ وما هي مخاطرها وكيف يمكن تجنب كوارثها على السلم الأهلي والاجتماعي؟

رفض الاتهامات

أفران شمسين أكدت ان ما اتهمت به من توظيف 2000 عامل سوري وعدم قبولها للبنانيين غير صحيح. الشريك في الافران رياض السيد قال لـ”النهار” ان “هذا الرقم خيالي. لا يوجد سوى عمال سوريين يقبلون العمل في الافران. من وقت الى آخر نضع اعلانات في الصحف طلبا لعمال لبنانيين، فلا يتقدم احد، وإن صودف وبدأ لبناني العمل لا يصمد أكثر من يومين. هذا قطاع حساس، يحتاج الى الاستمرارية لتأمين قوت الناس”. وأصاف “نحاول اغراء السوري بالراتب كون اللبناني يرفض العمل، ومع هذا لدينا 100 موظف لبناني مسجلين في الضمان الاجتماعي”.

كما أكدت المسؤولة في محلات دجاج توم، نغم ان “الموظفين في الادارة والمحاسبة، اضافة الى السائقين، هم لبنانيون، والعمالة السورية تقتصر على معلمي الغاز، البروستد والشاورما، وجميعهم لديهم اجازة عمل وبطاقات صحية ومطابقون لكل الشروط القانونية”.

ولفتت الى انه “منذ افتتاح فروعنا السبعة لم يتقدم اي لبناني لهذه الوظائف، وبعد الحملة التي طاولتنا، وضعنا اعلانات طلبا لموظفين لبنانيين، فلم يتقدم احد. هل يعني ذلك ان علينا طرد العمال الاجانب واغلاق المطاعم؟”. وأضافت: “نشعر وكأن هناك مشكلة شخصية لصاحب صفحة اتحاد الشعب اللبناني معنا. اليوم تقدمنا بدعوى ضده في بعبدا”. اما مطعم زعتر وزيت فاعتبر احد موظفيه ان “كل ما يقال عن المطعم شائعات. نحن نعمل تحت سقف القوانين اللبنانية”.

حبر على ورق

في كانون الاول 2014، صدر عن الوزير السابق سجعان قزّي قرار أعطى الحق للأجراء السوريين بالعمل حصراً في قطاعات الزّراعة والنّظافة والبناء، ملغيا بذلك قرار الوزير الاسبق سليم جريصاتي، الصادر في العام 2013، مانحاً خلاله استثناءات للأجراء السوريين في ما خص المهن الآتية حصراً: المهن الفنيّة في قطاع البناء وتفرّعاته، المندوب التّجاري، مندوب التّسويق، خيّاط، الميكانيك والصّيانة، أعمال الحدادة والتّنجيد، مراقب أشغال، أمين مستودع وحارس، شرط الحصول على إجازة عمل من الوزارة.

قرار الوزير قزي بقي حبرا على ورق. على ذلك علّق مصدر في وزارة العمل قائلاً ان “توظيف اي سوري خارج القطاعات الثلاثة التي حددها الوزير قزي يعتبر خروجا على القانون، مع وجود بعض الاستثناءات عندما يتقدم صاحب العمل باثباتات عن عدم قبول لبنانيين بالعمل لديه”. واضاف: “تحركت الوزارة مع وصول الوزير محمد كبارة للحفاظ على اليد العاملة اللبنانية ومنع المنافسة غير الشرعية، واتخذت قرارا باقفال كل المحال التجارية للسوريين غير الشرعية، حتى المحلات اللبنانية التي توظف سوريين من دون اجازة عمل”، مؤكداً ان “القرار ليس ضد السوريين بل ضد اي اجنبي يخالف القوانين، وقد طلبت الوزارة من البلديات والمحافظين اقفال المحلات غير الشرعية، مع فرض غرامة بقيمة مليونين وسبعمئة وخمسين الف ليرة”.

وأشار الى انه “تم اغلاق العديد من المحلات على امتداد الاراضي اللبنانية، رغم وجود نقص في جهاز تفتيش الوزارة، ما دفع الوزير الى الطلب من مجلس الوزراء الموافقة على التعاقد مع موظفين لملء الفراغ، لكن هذا لا يلغي دور البلديات ووزارة الداخلية والأمن العام في هذه القضية”.

مد وجزر

“العلاقات مع السوريين مرت باكثر من مرحلة، ففي بداية النزوح كان هناك تعاطف سياسي في اكثر من اتجاه معهم على اعتبار انهم مهجرون يواجهون الحرب والقتل والخوف، لكن مع مرور نحو خمس سنوات، تحول النزوح الى شبه اقامة واستقرار ما غيّر طبيعة النظرة اليهم. بات هناك نمط لحياة اجتماعية مختلفة لها علاقة بالاسرة والانجاب والانفاق، اضافة الى المساعدات الدولية التي تصلهم والبرامج والخطط المعدة لهم، ما خلق شعورا بالنفور عند اللبنانيين ضدهم”، بحسب ما قاله استاذ علم الاجتماع الدكتور طلال عتريسي.

أسباب عدة تقف خلف نفور لبنانيين من سوريين عدّدها عتريسي: “اولا اجتماعيا، الزيجات التي تحصل مع السوريات ولو انها قليلة الا ان اصداءها كبيرة. ثانيا، السوريون عمال مهرة، منحهم الاستقرار في لبنان القدرة على فتح مؤسسات ومطاعم وافران ومحلات خياطة وغيرها ، اذ لم يعد الأمر يتوقف على عملهم عند اللبنانيين، هذه المؤسسات خلقت منافسة كون اسعارها ارخص وجودتها قد تكون افضل. اي تاجر لا يقبل بهذا الامر، فلو فتح لبناني محلا الى جانبه سيشعر بالمنافسة، فكيف ان كان اجنبيا، عندها سيظهر نوع من العنصرية تجاهه. ثالثاً، العامل السوري الى الآن اجره ارخص من العامل اللبناني، وصاحب الرأسمال لا يهمه الاقتصاد الوطني بل دفع أجور أقل”.

“انفجارات محدودة”

وأكد عتريسي ان “هذا الأمر بات واقعاً واسعاً في كل المناطق ولم يعد حالات فردية، لا بل الشيء الجديد هو مطالبة المؤسسات الدولية بدمج السوريين بالمؤسسات الانتاجية اللبنانية، وفي النقاشات البلدية في الاماكن الموجودين فيها، اي ان يصبحوا شركاء في صناعة القرارات البلدية، وهذا ما جعل الموقف الرسمي استغاثي”. وعما اذا كنا سنشهد انفجار التعايش اللبناني – السوري، قال: “إن تراكم النفور يوصل الى الانفجار، لا أتصوّر انفجاراً واسعاً بل انفجارات محدودة تتخذ صورة اشكالات وتوترات هنا وهناك، فالعصبية اللبنانية ستزداد وستقابلها عصبية سورية. الأمر يحتاج الى انتباه ومعالجة من خلال خطط محلية لضبط هذه المسألة، او التفاهم مع الامم المتحدة، لكن المشكلة ان لبنان الرسمي يسكت بسبب المساعدات التي يحصل عليها، هذا اضافة الى ضرورة فتح آفاق الحوار مع الحكومة السورية للتفكير في اعادة النازحين الى المناطق التي توقفت فيها الحروب. الامر غير محسوم، لذلك اعتقد ان الازمة طويلة”.

“لهذا السبب انتفضوا”

“قاعدتا الاقتصاد في اي بلد هما الاستثمار والاستهلاك. الاستثمارات ضعيفة في لبنان، اما الاستهلاك فبعدما كان جيّداً، أخذ بالتراجع مع بدء حلول العمالة الأجنبية مكان اللبنانية، ما أدى الى انخفاض المدخول ومعه الاستهلاك، اضافة الى ان العامل الأجنبي يرسل قسماً كبيراً من راتبه الى بلده الأم، وهذا يعني ان الماكينة الاقتصادية اللبنانية لا تستفيد من أجره، ما يؤدي الى خفض الطلب على البضائع ومنها على الاستثمار. ثم ان التوفير الآني على نطاق واسع من قبل المؤسسات اللبنانية سيفضي الى مرحلة ان الشركات تنتج ولا تبيع، كون معظم الناس لا يمكنهم الشراء”، بحسب البروفسور جاسم عجاقة الذي لفت الى ان “اكثر منطقة متضررة من العمالة الاجنبية هي عكار، اذ يصل الاجر اليومي للعامل السوري الى خمسة آلاف ليرة، أما معدل البطالة العام في لبنان فيفوق الـ 35 بالمئة، تصل في بعض المناطق والقطاعات الى 70 في المئة، لا بل ان نسبتها بين الشباب غير المتعلم في عكار تقارب الـ 80 بالمئة”.

“لا يقتصر تأثير العمالة الأجنبية على الاقتصاد، فهي تمسّ بالكيان اللبناني، وأحد مظاهرها هو الضمان الاجتماعي، اذ لا يتم التصريح عن العمال الاجانب، ما يعني خسارة كبيرة في مدخول صندوقه”، على قول عجاقة الذي أضاف: “عندما كان السوري عاملاً كان أصحاب الشركات سعيدين لان اجره منخفض، ولكن عندما دخل سوق المهن الحرة انتفضوا وبدأوا حملة ضده، ليس حبا بالعامل اللبناني بل بجيوبهم”.

Print Friendly, PDF & Email
Source النهار