Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

توقعات بانهيار اقتصادي ومالي في لبنان

عجاقة: ثمة ثلاثة أمور منفصلة عن بعضها إلا أنها مع ذلك تتداخل وتؤثر على بعضها البعض، وهي: النشاط الاقتصادي، والمالية العامة، والوضع النقدي

المجلّة | سهى جفّال

بيروت: يقف الاقتصاد اللبناني منذ سنوات على شفير الهاوية وما يجري حتى اللحظة هو تأخير هذا السقوط، إذ دفعت سنوات من الفساد والهدر وسوء الإدارة وعدم الاستقرار السياسي والأمني إلى غرق لبنان في ديون بقيمة 86 مليار دولار، مع عدم وجود آفاق حقيقية للتعافي في الأفق. وفي حين أنّ جميع التوقعات والتحذيرات من انهيار اقتصادي ليست جديدة إلا أن هذه المرّة تبدو ملامح العاصفة أشد، مع تسارع المؤشرات الخطرة لأزمة اقتصادية ومالية واجتماعية تقترب منها البلاد. خصوصا مع استمرار صدور تحذيرات خارجية لدول أو ‏منظمات مالية أو هيئات اقتصادية غربية معنية بمقررات مؤتمر «سيدر»، وكان آخر الأصوات المحذرة من «أزمة ‏وشيكة» في لبنان قبل أيام البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بعد التحذيرات المماثلة التي أطلقها البنك الدولي حول دقة الوضع وضيق الوقت للإنقاذ.‎

وقد حضر رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، يورغن ريجتيريك، إلى بيروت ليبلغ المسؤولين اللبنانيين أيضا أن المؤشرات الاقتصادية الحالية تشير إلى أزمة وشيكة، وأن هناك حاجة لإصلاحات مهمة وجريئة وقد تكون مؤلمة ولكن البديل منها مؤلم أكثر…

وكان قد حذر نائب رئيس منطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي، فريد بلحاج، قبل أيام بعد لقائه وزير المالية علي حسن خليل أن «الوضع الاقتصادي في لبنان دقيق وهذا ما قلناه عدة مرات»، مشيرًا إلى أن «الموضوع اليوم هو كيفية ارتقاء الحكومة اللبنانية إلى مستوى الإصلاحات لأنها هامة وجوهرية ويجب أن يقوم بها لبنان للتواصل مع الجهات المانحة».

ويبدي الموفدون الدوليون الخشية من أن يكون لبنان دخل عمليا «مرحلة ما قبل الانهيار» لا سيما أن الخطوات الإنقاذية لا تزال تتعثر وتتأخر، وهو ما يتزامن مع ما ‏تمثل في سباق جدي وحقيقي نادرًا ما ظهر مثله سابقًا بين الاتجاهات العاجلة لبت مواقف الحكومة وخططها الحاسمة ‏من ملفات حيوية لاحتواء الأزمة والتعجيل بسلسلة الإصلاحات. ولا يخفي المسؤولون اللبنانيون أيضًا خطورة الوضع وكان البارز التصريحات التي أدلى بها رئيس الحكومة سعد الحريري قبل أيام حين شدّد على أن «التحديات من حولنا كبيرة وقاسية جدًا، وأن هناك قرارات صعبة فيما يختص بالموازنة والإصلاحات وعلى الجميع أن يتشارك في مسؤولية اتخاذها».

القرارت الصعبة التي لفت إليها الرئيس الحريري كانت كفيلة بإثارة موجة مخاوف وتساؤلات حول طبيعتها مما دفع بالبعض الحديث عن احتمال المس برواتب المتقاعدين أو التراجع عن سلسلة الرتب والرواتب التي سلكت مسارها عام 2018. وفي هذا السياق رأت مصادر متابعة أن حلّ «إلغاء السلسلة» يعتبر من الحلول السريعة التي من شأنها تأخير الانهيار الاقتصادي، مما يمنح الحكومة وقتًا للوصول إلى حلول حقيقية ومستدامة، مشيرة إلى أن «هذا الحلّ أيضًا لا تَوافُق عليه».

مدير المحاسبة الأسبق في وزارة المال الخبير الاقتصادي، الدكتور أمين صالح، رأى في حديث خاص لـ«المجلة» أنه «يمكن توصيف الوضع في لبنان على أننا في أزمة اقتصادية ومالية ونقدية عميقة جدا، بدليل إيقاف الدولة الإنفاق وإقدام وزير المال على وقف الاعتمادات المالية مما يشير إلى شلل وجمود اقتصادي».

كما رأى صالح أن تحذيرات المنظمات الدولية ليست بجديدة، مشيرا إلى أنه «لا يأخذ تحذيراتها بجدية لأنها تساهم في بعض الأحيان بأزمات البلاد المالية».

هذا وتأسف أن «يقوم المسؤولون السياسيون بالتحذير من خطورة الوضع علما بأن السلطة السياسية هي من يضع السياسات المالية والنقدية وهي المسؤولة أولا وأخيرا عن هذه الأزمة وبالتالي يقع على عاتقها إيجاد الحلول»، وتابع: «الحل سيكون مؤلما ولكن الألم يجب أن تتحمله الفئات التي استفادت من نتائج الأزمة وأوصلها إلى هذا الحدّ».

كما رأى صالح أنه حتى الآن السلطة اللبنانية لم تقم بأي إجراء إصلاحي، مؤكدا أن «شيئا لن يتغير وأن (سيدر) مثله مثل مؤتمرات باريس السابقة لم يكن سوى مسكنات لشخص يعاني من سرطان». مشيرا إلى أن «المشاريع والاستثمارات تحتاج لكثير من السنوات لتنفيذها ومعرفة مردودها الاقتصادي وبالتالي فإن ترجمة إيجابياتها على أرض الواقع تحتاج وقتا طويلا».

إلى ذلك، أكد صالح: «إننا نستطيع دون (سيدر) ودون خبراء من الخارج إذا توفرت إرادة وطنية حاسمة وتوفرت حلول إيجابية البدء من اليوم وبدلا من إصلاح 1 في المائة يمكن إصلاح 5 في المائة» لافتا إلى أن «أولى الخطوات تتمثل بإقرار الموازنة».

ختاما توجّه صالح بالقول إنه «قبل المس برواتب المتقاعدين فليسددوا لهم المبالع التي اقتطعت من رواتبهم طوال 40 عاما والتي قاموا بصرفها بدلا من وضعها في صندوق خاص وتوظيفها بشكل صحيح»، مضيفا: «سلسلة الرتب والرواتب حق للموظفين ولا يحق لهم المساس بها»، مشيرا إلى أن «إصلاحات الوضع المالي تبدأ عبر وضع حد لأكبر هدر والمتمثل بفوائد الدين العام، وبدلا من المساس بجيوب المواطنين فلينظروا إلى الـ220 ثقبا بخزان المال العام من نفقات السفر ومخصصات النواب والوزراء والرواتب العالية في الدولة والمؤسسات العامة وغيرهما».

لكن ما حقيقة الوضع الاقتصادي؟ وهل لبنان فعلا قادم على انهيار اقتصادي ومالي؟

Print Friendly, PDF & Email
Source مجلّة المجلّة النسخة الورقية