Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

قانون النقد والتسليف «أصدق إنباءً» من الجَدَلِ

الهندسات المالية التي يقوم بها مصرف لبنان تدخل ضمن نطاق مهامه

الجمهورية | بروفسور جاسم عجاقة

نصّت المادتان 88 و89 على أن يقوم المصرف بإعطاء تسهيلات صندوق للدولة اللبنانية على ألّا يمنح المصرف المركزي قروضًا للقطاع العام (المادّة 90) إلّا في ظروف إستثنائية الخطورة (المادّة 91).

ونصّت المادّة 113 على أنّ أرباح مصرف لبنان المؤلفة من فائض الواردات على النفقات، تُوزّع مناصفة بين المصرف المركزي والدولة اللبنانية وبنسبة 8

أموال مصرف لبنان ليست كلها أموال الدوّلة، ففي المصرف المركزي أموال تابعة للمصارف اللبنانية ومن خلفها للمودعين. ولا يُمكن معرفة حجم المال العام في أصول المصرف المركزي إلا بعد تصفيته، حيث أنّ الباقي يكون مالاً عاماً.

إذًا، حدّد قانون النقد والتسليف الإطار القانوني والتشغيلي لمصرف لبنان من خلال إعتباره مؤسسة عامّة تتمتّع باستقلالية تامّة في عملها مع وضع رقابة وقيود على أعمال المصرف، على أن تكون حرّية عمل المصرف مُقيّدة بأحكام القانون.

الدين العام ومسؤولية مصرف لبنان

الدين العام هو نتاج العجز في موازنة الدوّلة، وبالتالي كل تسجيل لعجز في الموازنة يتمّ تغطيته من خلال إصدار سندات خزينة للدوّلة اللبنانية تُسمّى سندات سيادية. وتنقسم هذه السندات إلى نوعين: سندات بالليرة اللبنانية وسندات بالعملات الأجنبية (بالدولار الأميركي بشكل أساس).

سندات الخزينة بالليرة اللبنانية تتمّ من خلال مصرف لبنان، أي أنه المسؤول قانونًا عن هذه العملية من الألف إلى الياء. أما سندات الخزينة بالعملات الأجنبية فهي محصورة بوزارة المال التي تُكلّف عادة مصرفين لقيادة هذه العملية (مصرف عالمي ومصرف محلّي).

عند إصدار سندات خزينة يقوم المسؤول عن العملية (أي المصرف المركزي للسندات بالليرة اللبنانية والمصارف الخاصة للسندات بالدولار الأميركي) بالتسويق للسندات، ويتمّ تحديد سعر الفائدة على أساس الطلب والعرض. فطلبٌ عالٍ على سندات الخزينة يُقلّل من سعر الفائدة وطلب قليل يرفع سعر الفائدة.

وفي حال لم يتمّ تسويق كل السندات المطروحة، يعمد المسؤول عن العملية إلى شراء السندات.

إذًا، مما تقدّم نرى أنّ مصرف لبنان لا سلطة له على الدين العام إلّا من ناحية شراء سندات الخزينة بالليرة اللبنانية إذا لم يتمّ شراؤها من قِبل الأسواق. وقد عمد المصرف المركزي في كثير من الحالات إلى إقراض الدوّلة أموالًا بفوائد وصلت في بعض الأحيان إلى

تراكم الدين العام جاء نتيجة العجز الذي بلغ أرقاماً خيالية. فعلى سبيل المثال بلغ العجز التراكمي أكثر من 30 مليار دولار أميركي بين العامين 2012 و2018 وهذا الرقمّ تمّ تمويله من خلال الإستدانة بمعدّل وسطي للفائدة

إذاً، المُشكلة تكمن في الإنفاق المفرط الذي إتبعته الحكومات المُتعاقبة والنمو الإقتصادي الذي لم يستطع إمتصاص العجز. هذه الفجوة في الفرق بين سعر الفائدة الحقيقي والنمو الحقيقي إضافة إلى سياسة الإستدانة المُتبعة من قِبل الحكومات اللبنانية، أدّتا إلى تراكم الدين العام.

المعروف في الإقتصاد، أنّ المصرف المركزي لا سلطة له على سعر الفائدة على الآجال الطويلة، بل انّ إمكانياته تنحصر في الآجال القصيرة، وبالتالي يُمكن الإستنتاج أن لا علاقة للمصرف المركزي بالفوائد التي تدفعها الدولة والتي تُحدّدها الأسواق المالية.

لذا يُمكن القول وبكل ثقة، إن مسؤولية الدين العام تقعّ على الحكومات المُتعاقبة والفوائد المرتفعة هي ثمن تراكم هذا الدين العام.

الدين العام والهندسات المالية

يرتكب العديد من الأشخاص خطأ بقولهم إنّ الأرباح التي جنتها المصارف التجارية في لبنان نتيجة الهندسة المالية هي دين على الدوّلة اللبنانية. فالفوائد التي يدفعها مصرف لبنان هي من أصوله التي يمتلكها ولا قدّرة له على تحميل خزينة الدوّلة أي قرش واحد عملًا بأحكام قانون النقد والتسليف الذي يفصل بشكل قاطع بين أموال الدولة وأموال المصرف المركزي.

الهندسات المالية التي يقوم بها مصرف لبنان تدخل ضمن نطاق مهامه التي نصّ عليها القانون والتي تفرض عليه القيام بما يلزم لضمان إستقرار سعر صرف الليرة. وفي غياب إقتصاد قوي وتردّي المالية العامّة، تبرز الهندسات المالية كحل وحيد لا خيار فيه، خصوصًا أنّ عجز ميزان المدفوعات يؤثّر سلبًا على الليرة اللبنانية وحتى على كيان الدوّلة المالي. من هذا المُنطلق يقوم المركزي بهندساته ويتحمّل كلفتها من دون تحميل الخزينة العامة أعباء.

في الختام، لا يسعنا القول إلّا انّ التهجّم على مصرف لبنان (أو حاكمه) أو على الليرة اللبنانية هو أمر يضرب الإستقرار النقدي والمالي للدوّلة اللبنانية ويؤدّي إلى إضطرابات إجتماعية. واليوم مع الجهود التي يقوم بها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة للقيام بإصلاحات وتأمين إستثمارات من خلال مؤتمر «سيدر»، لا نرى في التهجّم على مصرف لبنان وعلى الليرة اللبنانية إلّا رغبة في ضرب الإستقرار الإقتصادي والاجتماعي، بعدما تحقّق الإستقرار الأمني.

Print Friendly, PDF & Email
Source الجمهورية الجريدة