Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

قصة “إختفاء” 21 مليار دولار من موازنة المركزي: إجراء طبيعي إتبعته أهم المصارف المركزية العالمية

عجاقة: من علّق على هذه الأرقام بالقول أنها إختفت، لا معرفة له في في حسابات المصارف المركزية

لم يعد خافيًا على أحد مدى خطورة الأوضاع المالية في البلاد، مع إستمرار غياب الإنتظام المالي وتأخر إقرار موازنة 2019، بالإضافة إلى العجوزات المالية في العديد من الموازين والمؤشرات السلبية، ما يستدعي تحرّكًا طارئًا من الجميع لتدارك مفاعيل هذه الأزمة. وعلى خط مواز، يستمر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بمساعيه في الكواليس لحض المسؤولين على الشروع في الإصلاحات اللازمة وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، في الوقت الذي يستنزف فيه المركزي كل الوسائل التدخل لتأمين الإستقرار النقدي والإقتصادي، وهو ما أبلغه صراحة سلامة إلى عدد من المسؤولين ومن بينهم رئيس الحكومة الحريري.

Print Friendly, PDF & Email

النهار | موريس متى

في خضم هذه المعركة، تتحدّث تقارير عن فقدان 21 مليار دولار من ميزانية مصرف لبنان وربطها بالهندسات المالية وسعي الحاكم لإخفاء أثرها ضمن أرقام المركزي. في كل الأحوال، من حق الجميع التساؤل عن الفروض التي ظهرت في ميزامية مصرف لبنان ومعرفة الحقيقة بأدق تفاصيلها.

القصة بدأت مع نشر مصرف لبنان لميزانيته العمومية المؤقتة (BDL interim Balance Sheet) التي ينشرها على موقعه الإلكتروني كل أسبوعين. وأظهرت هذه الميزانية تراجعًا بقيمة 32077 مليار ليرة لبنانية ما بين 28/2/2019 و15/3/2019. ونظرًا إلى هذه الميزانية، نرى أن بند “قروض للقطاع المالي المحلي” قد إنخفض بقيمة 32606 مليار ليرة لبنانية (خانة الموجودات) وفي المقابل تراجع بند “ودائع القطاع المالي” بقيمة 32088 ليرة لبنانية (خانة المطلوبات). هذا الأمر فسره البعض على أنه إختفاء لـ 21 مليار دولار أميركي من موازنة المصرف المركزي أو إخفاء متعمّد لنتائج أرقام متعلقة بالهندسة المالية التي قام بها المركزي، إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نفى وجود أي خلل في ميزانيته، وأكد “أن ما يحكى عن تراجع بـ ٢٢ مليار دولار ناتج عن تصفية عمليات حسابات بين الودائع والقروض بحسب المتطلبات الدولية” وبالتالي “لا تأثير ماليا أو نقديا لذلك”.

وأضاف سلامة أن “الكلام عن ان المصارف اودعت في المركزي أكثر من100  مليار دولار بينما الاحتياطي الاجنبي عند 38 مليار دولار غير دقيق فودائع المصارف بالليرة بأغلبيتها وليس فقط بالدولار”.

هذا الإجراء هو إجراء طبيعي في كل دول العالم. فتضخم موازنة المصارف المركزية ليس بالضرورة شيء سليم، إذ أنه وبعد مضي عشر سنوات على أزمة المشتقات المسمومة – Subprimes – والكم الهائل من السيولة التي ضخّها في الأسواق الأميركية وتحديدًا في القطاع المصرفي الأميركيـ إتجه الفديرالي الأميركي منذ أكثر من عام إلى تقليص حجم موازنته من خلال عمليات شبيهة بالعملية التي قام بها المصرف المركزي اللبناني وهي عملية طبيعية.

ففي نهاية عام 2017 بدأ بخفض حجم ميزانيته العمومية تدريجيًا، من خلال السماح ببيع سندات الخزانة الأميركية والأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية التي تحلّ آجالها، بدلًا من إستبدالها. ومنذ ذلك الحين إنفخض حجم مقتنيات الإحتياطي الفديرالي إلى تحو 3.9 تريليون دولار مع تسارع وتيرة الإنخفاض بمرور الوقت.

وبدأ المصرف المركزي الأوروبي بخفض حجم ميزانيته منعًا لإرتفاع نسب التضخمّ وهو ما قد يضرّ بالمصرف المركزي وباليورو في آن واحد، وهو الأمر الذي يشدد على أهميته البنك المركزي الألماني الذي يعتبر أن الوصول إلى ميزانية قليلة ومناسبة يجب أن يكون الهدف النهائي للبنك المركزي الأوروبي، إذ يعتبر المركزي الألماني أن تقليص حجم ميزانية البنك سيتيح له مساحة أكبر للمناورة إذا تطلب الأمر ذلك، للتعمل مع أي مواقف إستثنائية.

ومن المهم جدًا التأكيد أيضًا أن هذه العملية الحسابية التي قام بها مصرف لبنان تندرج ضمن إلتزام تطبيق متطلبات المعيار الدولي (IFRS9) أي المعيار رقم 9 الذي أقره مجلس معايير المحاسبة الدولية، والذي يشدد على تطبيق هذا النوع من العملية الحسابية التي تعرف بالـ Netting، وهو أمر ملزم ويتمثل بتصفية الحسابات بين المصارف التجارية والمركزي، من خلال حسم الودائع من القروض لمصرف معين، إذ تستدين المصارف من المركزي ثم تودع هذه الديون في المركزي، فتحسب هذه المبالغ بقيمة صفر في الموازنة تفاديًا لتضخيمها. ومن هنا، فهذه المبالغ المستدانة والمودعة لاحقا ودائع في مصرف لبنان ليست موجودة في السوق، وهي ديون وودائع بالليرة اللبنانية وليست بالدولار الأميركي.

وفي هذا السياق يؤكد الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة أن “العملية قانونية وشفافة في آن واحد، وإن المدققين الماليين الدوليين الذي يُدققون في حسابات مصرف لبنان، هم من إقترحوا هذا الأمر على المصرف المركزي اللبناني الذي إمتثل لمطلبهم إلتزامًا منه للمتطلبات الدولية. أما من ناحية الشفافية، فمصرف لبنان نشر هذه الميزانية على موقعه الإلكتروني وضمنها العملية المحاسبية الـ netting  التي تمّت.

وقال عجاقة ” من الواضح أن من علّق على هذه الأرقام بالقول أنها إختفت، لا معرفة له في في حسابات المصارف المركزية” مؤكدًا أن “تبرير هذه العملية آت بالدرجة الأولى من تجنب حدوث تضخم في الميزانية العمومية للمصرف المركزي”.

ولأن بعض القروض للقطاع المالي المحلي قد أعيدت مقابل الودائع، يقول عجاقة “تم تخفيض جانبي الميزانية بمقدار هذه القروض وهذا تمّ بمعرفة المدققين العالمين. والأهم أن البنوك التجارية اللبنانية ستحذو حذو المصرف المركزي من خلال عكس التعديل الذي قام فيه مصرف لبنان في ميزانياتها العمومية”.

بعض المراقبين إعتبروا أن توقيت العملية يأتي قبيل النتائج الفصلية للمصارف، لكن لعجاقة رأي أخر، ويقول “هذا الأمر كان يجب أن يتمّ منذ فترة،  وما قام به المصرف المركزي جيد حتى لو إستفادت المصارف التجارية من تبعاته على الورق”. وتسأل “اليس من مهمات مصرف لبنان الحفاظ على القطاع المصرفي؟ أليس هذا ما هو منصوص عليه في قانون النقد والتسليف وإنشاء مصرف لبنان؟ إذا كان لا يُعجبهم الأمر فليُعدّلوا القوانين”.

وختم: “من الواضح أن الهجوم المُمنهج على مصرف لبنان له خلفيات سياسية وأبعاد خارجية. فمن المُستفيد من ضرب الليرة اللبنانية؟ نستغرب عدم قيام المصرف المركزي برفع دعوة قضائية على مطلقي الشائعات عملًا بالمادتين 319 و320 من قانون العقوبات”.

Print Friendly, PDF & Email
Source النهار