Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

لبنان بحاجة لخلق فرص عمل

تُشير أخر الأرقام الواردة من الاقتصاد الأميركي إلى أن النمو الأميركي أصبح صلباً حيث من المُتوقع أن يعمد الإحتياطي الفديرالي الأميركي إلى رفع فوائده خلال العام 2015. وتحليل هذا النمو يُثبت أن المسؤول الأول عن هذا النمو هو خلق فرص العمل. فهل تنجح هذه الوصفة مع الإقتصاد اللبناني؟

Print Friendly, PDF & Email

موقع الإقتصاد | بروفسور جاسم عجاقة

منذ الازمة المالية العالمية التي عصفت بالإقتصاد العالمي والإقتصاد الأميركي يرزح تحت التداعيات السلبية لهذه الازمة. وقام الإحتياطي الفديرالي الأميركي بما لم يقم به أي مصرف مركزي في العالم إن من ناحية نوعية العمليات أو حجمها.

فقد ضخ الإحتياطي الأميركي ما يُقارب الـ 20 تريليون دولار أميركي (تريليون = ألف مليار) في القطاع المصرفي، تمويل الدين العام الأميركي ودعم الاقتصاد. أرقام خيالية جعلت من الإحتياطي الفديرالي الأميركي سيد المصارف المركزية ليس فقط بحجمها بل بالبرامج التي وضعها لدعم النمو.

وإذا كانت هذه المبالغ الضخمة التي تمّ ضخها في الاقتصاد الأميركي قد سمحت له بالنمو إلا أن نمو الأعوام الأولى بعد الأزمة كان هشاً. من هنا أتى شعار الولاية الثانية للرئيس أوباما “خلق فرص عمل” والذي يُجسّد فهم الإدارة الأميركية للمشكلة التي يتخبط فيها الاقتصاد الأميركي ألا وهي أن الإستهلاك الأميركي يُشكل 7

وهذا الأمر يُثبت إلى حد بعيد مدى صحة النظرية الاقتصادية والتي تعتبر أن الإستثمار والإستهلاك هما العامودين الأساسيين للإقتصاد وبالتالي كل إقتصاد بحاجة لإستثمارات تسمح بخلق فرص عمل ينتج عنها مدخول أُسري يتحول تلقائياً لإستهلاك وبالتالي تفعيل الدورة الاقتصادية.

ويحق للقارئ الكريم السؤال عن مدى قدرة الإقتصاد اللبناني على الإستفادة من هذه الوصفة التي نجحت في الولايات المتحدة الأميركية؟

من الواضح أن الإطار العام للإقتصاد اللبناني مختلف عن نظيره الأميركي إن من ناحية الهيكلية أو من ناحية الحجم. فالإقتصاد الأميركي يتميز بماكينة إقتصادية فعالة مدعومة بتكنولوجيا متطورة تُستخدم في هذه الماكينة كما أن وفرة رؤوس الأموال الإستثمارية لا نظير لها في العالم.

أما في لبنان، فيتميز الاقتصاد اللبناني بضعف ماكينته الاقتصادية التي يغيب عنها العامل التكنولوجي المحصور فقط بالإستخدام النهائي أضف إلى ذلك ضعف الإستثمارات أكانت أجنبية أم محلية. وهنا تحمل الحكومة والمصارف اللبنانية مسؤولية ضعف الإستثمارات والتي بدونها لن يتم خلق أي فرصة عمل.

على هذا الصعيد، يُمكن القول أن هناك ثلاثة أنواع من فرص العمل التي يجب على كل إقتصاد أن يخلقها: العمل الذي يتطلب الكفاءة البدنية، العمل الذي يتطلب كفاءة فكرية والعمل الذي يتطلب كفاءة فكرية عالية جداً.

والمُشكلة في لبنان أن الاقتصاد اللبناني وبغياب التكنولوجيا في الماكينة الإنتاجية، لا يخلق فرص عمل من النوع الثاني والثالث إلا بكميات قليلة جداً مع العلم أن عدد المُتخرجين سنوياً من الجامعات في إزدياد مستمر معظمهم لا يجد فرص عمل في لبنان. فالأرقام تُشير إلى أنه على 16000 طالب يتخرج سنوياً هناك ثلاثة ألاف تحصل على وظيفة كلها تقريباً لا يتم إستخدام التكنولوجيا فيها!

أما في ما يخص النوع الأول من فرص العمل أي العمل الذي يتطلب الكفاءة البدنية، فاليد العاملة الأجنبية تُصادر كل الفرص الموجودة وذلك بفعل عاملين: الأول كلفة هذه اليد العاملة التي تجذب أرباب العمل وثانياً قلة اللبنانيين الذين يرضون بالقيام بهذه الأعمال.

هذا الأمر ينتج عنه ما يلي: العامل الأجنبي يُحوّل ما يجنيه إلى بلده الأم مع نسبة إستهلاك ضئيلة واللبناني المُقيم يعيش على أموال المغتربين الذين يسمحون له بإنفاق على المواد الغذائية والسيارات والعقارات. والأصعب في الأمر أن 9

والتحليل يُظهر إستحالة تصحيح هذا الواقع في ظل غياب الإستثمارات في التكنولوجيا وذلك في كل القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية. فعلى سبيل المثال، الشاب اللبناني لن يقبل بالعمل في القطاع الزراعي كعامل إذا كان هذا الشاب مُتخرج من الجامعة، لكن وفي حال كان العمل يستخدم التكنولوجيا إن في الريّ أو في الزرع أو في الحصاد، فإنه مُستعد للقيام بذلك.

كذلك الأمر بالنسبة للشركات التي لن تستطيع تأمين وظيفة عمل للشاب الذي يتمتع بكفاءة علمية عالية إلا إذا كانت التكنولوجيا في صلب عملية الإنتاج.

وبحسب تحليلنا، لا يُمكن لهذا الأمر أن يتمّ إلا في ظل تطوير قطاع الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم التي يُمكن لها نقل هذه التكنولوجيا على مرحلتين: الأولى إستخدام جزئي في الماكينة الاقتصادية والثانية إستخدام كلّي مع تطوير الأبحاث.

أيضاً يُمكن القول أن هذه الشركات ستلعب دور أساسي في محاربة الفقر من ناحية قدرتها على توزيع الثروات نتيجة لإشتراكها في العمل الاقتصادي وستسمح بدورها بخلق فرص عمل لكثير من الشباب اللبناني في وقت يحتاج الاقتصاد اللبناني إلى خلق ما لا يقلّ عن 30 ألف وظيفة سنوياً في الخمس سنوات القادمة لكي يرتقي نمو الاقتصاد إلى أرقام تُناهز نمو العام 2007 مع فارق أساسي أن هذا النمو سيكون مُستدام.

Print Friendly, PDF & Email
Source موقع الإقتصاد